تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٠٩
الله تعالى قالوا ذلك في أواخر الأمر، ومعنى قوله تعالى:
* (قال رب إن قومى كذبون) * * (قال رب إن قومي كذبون) * استمروا على تكذيبي وأصروا عليه بعد ما دعوتهم هذه الأزمنة المتطاولة ولم يزدهم دعائي إلا فرارا. وهذا ليس بإخبار بالاستمرار على التكذيب لعلمه عليه السلام أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد إظهار ما يدعو عليهم لأجله وهو تكذيب الحق لا تخويفهم له واستخفافهم به في قولهم: * (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) * (الشعراء: 116) تلطفا في فتح باب الإجابة، وقيل: لدفع توهم الخلق فيه المتجاوز أو الحدة، وقيل: إنه خبر لم يقصد منه الإعلام أصلا وإنما أورد لغرض التحزن والتفجع كما في قوله:
قومي هم قتلوا أميم أخي * فلئن رميت يصيبني سهمي ويبعد ذلك في الجملة تفريع الدعاء عليهم بقوله تعالى:
* (فا افتح بينى وبينهم فتحا ونجنى ومن معى من المؤمنين) * * (فافتح بيني وبينهم فتحا) * على ذلك أي أحكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا من الفتاحة بمعنى الحكومة، و * (فتحا) * مصدر، وجوز أن يكون مفعولا به على أنه بمعنى مفتوحا وهذه حكاية إجمالية لدعائه عليه السلام المفصل في سورة نوح * (ونجني ومن معي من المؤمنين) * أي من قصدهم أو شؤم أعمالهم، وفيه إشعار بحلول العذاب بهم.
* (فأنجين‍اه ومن معه فى الفلك المشحون) * * (فأنجيناه ومن معه) * على حسب دعائه عليه السلام * (في الفلك المشحون) * أي المملوء بهم وبما يحتاجون إليه حالا كالطعام أو مالا كالحيوان.
والملك يستعمل واحدا وجمعا، وحيث أتى في القرآن الكريم فاصلة استعمل مفردا أو غير فاصلة استعمل جمعا كما في " البحر ".
* (ثم أغرقنا بعد الب‍اقين) * * (ثم أغرقنا بعد) * أي بعد إنجائهم، و * (ثم) * للتفاوت الرتبي، ولذا قال سبحانه بعد بعد * (الباقين) * أي من قومه.
* (إن فى ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * * (إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * الكلام فيه نظير الكلام فيما تقدم، وكذا الكلام في قوله تعالى:
* (كذبت عاد المرسلين) * * (كذبت عاد المرسلين) * بيد أن تأنيث الفعل هنا باعتبار أن المراد بعاد القبيلة وهو اسم أبيهم الأقصى، وكثيرا ما يعبر عن القبيلة إذا كانت عظيمة بالأب وقد يعبر عنها ببني أو بآل مضافا إليه فيقال: بنو فلان أو آل فلان، وكذا الكلام في قوله سبحانه:
* (إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * إنى لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * ومآ أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب الع‍المين) * * (إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) * وحكاية الأمر بالتقوى والإطاعة ونفي سؤال الأجر في القصص الخمس وتصديرها بذلك للتنبيه على أن مبني البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب ويبعده من العقاب وأن الأنبياء عليهم السلام مجتمعون على ذلك وإن اختلفوا في بعض فروع الشرائع المختلفة باختلاف الأزمنة والأعصار وإنهم عليهم السلام منزهون عن المطامع الدنيوية بالكلية.
ولعله لم يسلك هذا المسلك في قصتي موسى. وإبراهيم عليهما السلام تفننا مع ذكر ما يشعر بذلك، وقيل: إن ما ذكر ثمة أهم وكانت منازل عاد بين عمان. وحضرموت وكانت أخصب البلاد وأعمرها فجعلها الله تعالى مفاوز ورمالا، ويشير إلى عمارتها قوله تعالى:
* (أتبنون بكل ريع ءاية تعبثون) * * (أتبنون بكل ريع) * أي طريق كما روي عن ابن عباس. وقتادة.
وأخرج ابن جرير. وجماعة عن مجاهد أن الريع الفج بين الجبلين. وعن أبي صخر أنه الجبل والمكان
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»