تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٠٠
إن كونه عز وجل لا يغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة وكان قبلهم قد يغفر وفيه بحث، وقيل: لأنه كان يخفي الايمان تقية من نمروذ ولذلك وعده بالاستغفار فلما تبين عداوته للايمان في الدنيا بالوحي أو في الآخرة تبرأ منه.
وقوله على هذا: * (من الضالين) * بناء على ما ظهر لغيره من حاله أو معناه من الضالين في كتم إيمانه وعدم اعترافه بلسانه تقية من نمروذ، والكلام في هذا المقام طويل وقد تقدم شيء منه فتذكر.
* (ولا تخزنى يوم يبعثون) * * (ولا تحزني) * بتعذيب أبي أو ببعثه في عداد الضالين بعدم توفيقه للايمان أو بمعاتبتي على ما فرطت أو بنقص رتبتي عن بعض الوراث أو بتعذيبي.
وحيث كانت العاقبة مجهولة وتعذيب من لا ذنب له جائز عقلا صح هذا الطلب منه عليه السلام، وقيل: يجوز أن يكون ذلك تعليما لغيره وهو من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بفتح الخاء بمعنى الحياء * (يوم يبعثون) * أي الناس كافة، والإضمار وإن لم يسبق ذكرهم لما في عموم البعث من الشهرة الفاشية المغنية عنه، وقيل: الضمير للضالين والكلام من تتمة الدعاء لأبيه كأنه قال: لا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم، ولا يخفى أنه يجوز على الأول أن يكون من تتمة الدعاء لأبيه أيضا، واستظهر ذلك لأن الفصل بالدعاء لأبيه بين الدعوات لنفسه خلاف الظاهر، وعلى ما ذكر يكون قد دعا لأشد الناس التصاقا به بعد أن فرغ من الدعاء لنفسه.
* (يوم لا ينفع مال ولا بنون) * * (يوم لا ينفع مال ولا بنون) * بدل من * (يوم يبعثون) * جىء به تأكيدا لتهويل ذلك اليوم وتمهيدا لما يعقبه من الاستثناء وهو إلى قوله تعالى: * (إن في ذلك لآية) * بدل من * (يوم يبعثون) * جيء به تأكيدا لتهويل ذلك اليوم وتمهيدا لما يعقبه من الاستثناء وهو إلى قوله تعالى: * (إن في ذلك لآية) * الخ من كلام إبراهيم عليه السلام، وابن عطية بعد أن أعرب الظرف بدلا من الظرف الأول قال: إن هذه الآيات عندي منقطعة عن كلام إبراهيم عليه السلام وهي أخبار من الله عز وجل تتعلق بصفة ذلك اليوم الذي طلب إبراهيم أن لا يخزيه الله تعالى فيه، ولا يخفى عدم صحة ذلك مع البدلية، والمراد بالبنون معناه المتبادر، وقيل: المراد بهم جميع الأعوان، وقيل: المعنى يوم لا ينفع شيء من محاسن الدنيا وزينتها، واقتصر على ذكر المال والبنين لأنهما معظم المحاسن والزينة [بم وقوله تعالى:
* (إلا من أتى الله بقلب سليم) * * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * استثناء من أعم المفاعيل، و * (من) * محل نصب أي يوم لا ينفع مال وإن كان مصروفا في الدنيا إلى وجوه البر والخيرات ولا بنون وإن كانوا صلحاء مستأهلين للشفاعة أحدا إلا من أتى بقلب سليم عن مرض الكفر والنفاق ضرورة اشتراط نفع كل منهما بالايمان، وفي هذا تأييد لكون استغفاره عليه السلام لأبيه طلبا لهدايته إلى الايمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافرا مع علمه عليه السلام بعدم نفعه لأنه من باب الشفاعة، وقيل: هو استثناء من فاعل * (ينفع) * ومن في محل رفع بدل منه والكلام على تقدير مضاف إلى من أي لا ينفع مال ولا بنون الأمال وبنو من أتى الله بقلب سليم حيث أنفق ماله في سبيل البر وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عبادا لله تعالى مطيعين شفعاء له يوم القيامة، وقيل: هو استثناء مما دل عليه المال والبنون دلالة الخاص على العام أعني مطلق الغني والكلام بتقدير مضاف أيضا كأنه قيل: يوم لا ينفع غني إلا غني من أتى الله بقلب سليم وغناه سلامة قلبه وهو من الغنى الديني وقد أشير إليه في بعض الأخبار.
أخرج أحمد. والترمذي. وابن ماجه عن ثوبان قال: لما نزلت * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * (التوبة: 34) الآية قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو علمنا أي المال خير اتخذناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه " وقيل: هو استثناء منقطع من * (مال) * والكلام أيضا على تقدير مضاف
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»