* (أن تصيبهم فتنة) * أي بلاء ومحنة في الدنيا كما روي عن مجاهد. وعن ابن عباس تفسير الفتنة بالقتل. وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه تفسيرها بتسليط سلطان جائر، وعن السدي. ومقاتل تفسيرها بالكفر والأول أولى.
* (أو يصيبهم عذاب أليم) * أي في الآخرة. وقيل في الدنيا، والمراد بالعذاب الأليم القتل وبالفتنة ما دونه وليس بشيء. وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع. وإعادة الفعل صريحا للاعتناء بالتهديد والتحذير. وشاع الاستدلال بالآية على أن الأمر للوجوب فإنه تعالى أوجب فيها على مخالف الأمر الحذر عن العذاب وذلك تهديد على مخالفة الأمر وهو دليل كون الأمر للوجوب إذ لا تهديد على ترك غير الواجب، وأيضا بناء حكم الحذر عن العذاب إلى المخالف يقتضي أن يكون حذره عنه من حيث المخالفة، وذلك إنما يكون إذا أفضى إلى العذاب كما في قولك فليحذر الشاتم للأمير أن يضربه ولا إفضاء في ترك غير الواجب.
وهذا الأمر أعني * (فليحذر) * بخصوصه مستعمل في الإيجاب إذ لا معنى لندب الحذر عن العقاب أو إباحته، وأيضا إشعار الآية بوجوب الحذر غير خاف بقرينة ورودها في معرض الوعيد بتوقع إصابة العذاب على أنه لو حمل الأمر المذكور على أنه للندب يحصل المطلوب وذلك لأن التحذير عما لم يعلم أو لم يظن تحققه ولا تحقق ما يفضي إلى وقوعه في الجملة سفه غير جائز بمعنى أنه مخالف للحكمة ولهذا يلام من يحذر عن سقوط الجدار المحكم الغير المائل، وأيا ما كان يندفع ما يقال: لا نسلم أن قوله تعالى: * (فليحذر) * للوجوب لأنه عين محل النزاع إذ يكفي في المطلوب على ما قررنا استعماله في الندب أيضا، والقول بأن معنى مخالفة الأمر عدم اعتقاد حقيته أو حمله على غير ما هو عليه بأن يكون للوجوب أو الندب مثلا فيحمل على غيره بعيد جدا، والظاهر المتبادر إلى الفهم أنه ترك الامتثال والإتيان بالمأمور به فلا يترك إلى ذلك إلا بدليل. واعترض بأنه بعد هذا القيل والقال لا يدل على أن جميع الأوامر حقيقة في الوجوب لإطلاق الأمر.
وأجيب بأن * (أمره) * مصدر مضاف وهو يفيد العموم حيث فقدت قرينة العهد على أن الإطلاق كاف في المطلوب، وهو كون الأمر المطلق للوجوب خاصة إذ لو كان حقيقة لغيره أيضا لم يترتب التهديد على مخالفة مطلق الأمر. وقال بعض الأجلة: لا قائل بالفصل في صيغ الأمر بأن بعضها للوجوب وبعضها لغيره. وزعم بعضهم أن الاستدلال لا يتم إذا أريد بالأمر الطلب، ولو فسر بالشأن وكان الضمير للرسول عليه الصلاة والسلام لزم من القول بدلالتها على الوجوب أن يكون كل ما يفعله صلى الله عليه وسلم واجبا علينا ولا قائل به. والزمخشري فسره بالدين والطاعة.
وقال صاحب الكشف: إن الاستدلال بالآية على أن الأمر للوجوب مشهور سواء فسر بما ذكر لأن الطاعة امتثال الأمر القولي أو فسر على الحقيقة، وأما إذا جعل إشارة إلى ما سبق من الأمر الجامع ومعنى * (يخالفون عن أمره) * ينصرفون عنه فلا وليس بالوجه وإن آثره جمع لفوات المبالغة والتناول الأولى والعدول عن الحقيقة في لفظ الأمر ثم المخالفة من غير ضرورة انتهى، وهذا الذي آثره جمع ذكره الطيبي عن البغوي ثم قال: هذا هو التفسير الذي عليه التعويل ويساعد عليه النظم والتأويل لأن الأمر حينئذ بمعنى الشأن وواحد الأمور، وبيانه إن ما قبله حديث في الأمر الجامع وهو الأمر الذي يجمع عليه الناس ومدح من لزم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذهب عنه وذم من فارقه بغير الإذن وأمر بالاستغفار في حق من فارق بالإذن لأن