من ذكر خاص فيما إذا كان الأكل مع أهل تلك البيوت أم لا؟ فأجيب بقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا) * أي مجتمعين مع أهل تلك البيوت في الأكل أو أشتاتا أي متفرقين بأن يأكل كل منكم وحده ليس معه صاحب البيت وما ألطف نفي الحرج فيما اتسعت دائرته ونفي الجناح فيما ورد فيه بين أمرين والنكات لا يجب إطرادها كذا قيل فتدبر.
* (فإذا دخلتم) * شروع في بيان الأدب الذي ينبغي رعايته عند مباشرة ما رخص فيه بعد بيان الرخصة فيه * (بيوتا) * أي من البيوت المذكورة كما يؤذن به الفاء * (فسلموا على أنفسكم) * أي على أهلها كما أخرج ذلك ابن المنذر. وابن أبي حاتم. والبيهقي في " شعب الايمان " عن ابن عباس. وقريب منه ما أخرجه عبد الرزاق. وجماعة عن الحسن أن المعنى فليسلم بعضكم على بعض نظير قوله تعالى: * (فاقتلوا أنفسكم) * والتعبير عن أهل تلك البيوت بالأنفس لتنزيلهم منزلتها لشدة الاتصال، وفي الانتصاف في التعبير عنهم بذلك تنبيه على السر الذي اقتضى إباحة الأكل من تلك البيوت المعدودة وأن ذلك إنما كان لأنها بالنسبة إلى الداخل كبيت نفسه للقرابة ونحوها، وقيل: المراد السلام على أهلها على أبلغ وجه لأن المسلم إذا ردت تحيته عليه فكأنه سلم على نفسه كما أن القاتل لاستحقاقه القتل بفعله كأنه قاتل نفسه. وأخرج عبد الرزاق. وابن جرير. والحاكم وصححه. وغيرهم عن ابن عباس أنه قال في الآية: هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد الله تعالى الصالحين فحمل البيوت فيها على المساجد والسلام على الأنفس على ظاهره، وقيل: المراد بيوت المخاطبين وأهلهم، وذكر أن الرجل إذا دخل على أهله سن له أن يقول: السلام عليكم تحية من عند الله مباركة طيبة فإن لم يجد أحدا فليقل السلام علينا من ربنا وروى هذا عن عطاء، وقيل السلام على الأنفس على ظاهره والمراد ببيوت بيوت الكفار وذكر أن داخله وكذا داخل البيوت الخالية يقول ما سمعت آنفا عن ابن عباس، وقيل: يقول على الكفار يقول: السلام على من اتبع الهدى، ولا يخفى المناسب للمقام، والسلام بمعنى السلامة من الآفات؛ وقيل: اسم من أسمائه عز وجل وقد مر الكلام في ذلك على أتم وجه فتذكر.
* (تحية من عند الله) * أي ثابتة بأمره تعالى مشروعة من لدنه عز وجل فالجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لتحية، وجوز أن يتعلق بتحية فإنها طلب الحياة وهي من عنده عز وجل، وأصل معناها أن تقول حياك الله تعالى أي أعطاك سبحانه الحياة ثم عمم لكل دعاء، وانتصابها على المصدرية لسلموا على طريق قعدت جلسوا فكأنه قيل فسلموا تسليما أو فحيوا تحية * (مباركة) * بورك فيها بالأجر كما روى عن مقاتل، قال الضحاك: في السلام عشر حسنات ومع الرحمة عشرون ومع البركات ثلاثون * (طيبة) * تطيب بها نفس المستمع، والظاهر أنه يزيد المسلم ما ذكر في سلامه، وعن بعض السلف زيادته كما مر آنفا، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما أخذت التشهد إلا من كتاب الله تعالى سمعت الله تعالى يقول: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) * فالتشهد في الصلاة التحيات المباركات الطيبات لله.
* (كذالك يبين لكم الآيات) * تكرير لمزيد التأكيد، وفي ذلك تفخيم فخيم للأحكام المختتمة به * (لعلكم تعقلون) * ما في تضاعيفها من الشرائع والأحكام وتعملون بموجبها وتحوزون بذلك سعادة الدارين،