تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٢٠
التاء جمع مفتاح. وقرأ قتادة. وهرون عن أبي عمرو * (مفتاحه) * بالإفراد وهو آلة الفتح وكذا المفتح كما في القاموس، وقال الراغب: المفتح والمفتاح ما يفتح به وجمعه مفاتيح ومفاتح. وفي بعض الكتب أن جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح مفاتيح * (أو صديقكم) * أي أو بيوت صديقكم وهو من يصدق في مودتكم وتصدق في مودته يقع على الواحد والجمع، والمراد به هنا الجمع، وقيل: المفرد، وسر التعبير به دون أصدقائكم الإشارة إلى قلة الأصدقاء حتى قيل: صاد الصديق وكاف الكيمياء معا * لا يوجدان فدع عن نفسك الطمعا ونقل عن هشام بن عبد الملك أنه قال: نلت ما نلت حتى الخلافة وأعوزني صديق لا أحتشم منه، وقيل: إنه إشارة إلى أن شأن الصداقة رفع الإثنينية. ورفع الحرج في الأكل من بيت الصديق لأنه أرضى بالتبسط وأسر به من كثير من ذوي القرابة؛ روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الصديق أكبر من الوالدين إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات فقالوا: * (فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم) * (الشعراء: 100، 101).
وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه من عظم حرمة الصديق أن جعله الله تعالى من الأنس والثقة والانبساط ورفع الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ، وقيل لأفلاطون: من أحب إليك أخوك أم صديقك؟ فقال: لا أحب أخي إلا إذا كان صديقي، وقد كان السلف ينبسطون بأكل أصدقائهم من بيوتهم ولو كانوا غيبا.
يحكى عن الحسن أنه دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال: هكذا وجدناهم هذا وجدناهم يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين، وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها سرورا بذلك، وهذا شيء قد كان. إذا الناس ناس والزمان زمان وأما اليوم فقد طوى فيما أعلم بساطه واضمحل والأمر لله تعالى فسطاطه وعفت آثاره وأفلت أقماره وصار الصديق اسما للعدو الذي يخفى عداوته وينتظر لك حرب الزمان وغاءته فآه ثم آه ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى * عدوا له ما من صداقته بد ثم إن نفي الحرج في الأكل المذكور ومشروط بما إذا علم رضا صاحب المال بإذن صريح أو قرينة، ولا يرد أنه إذا وجد الرضا جاز الأكل من مال الأجنبي والعدو أيضا فلا يكون للتخصيص وجه لأن تخصيص هؤلاء لاعتياد التبسط بنيهم فلا مفهوم له، وقال أبو موسلم: هذا في الأقارب الكفرة أباح سبحانه في هذه الآية ما حضره في قوله سبحانه: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (المجادلة: 22) وليس بشيء، وقيل: كان ذلك في صدر الإسلام ثم نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفسه منه " وقوله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: " لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه "، وقوله تعالى: * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) * (النور: 27) الآية، وقوله عز وجل: * (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) * (الأحزاب: 53) فإنهم إذا منعوا من منزله صلى الله عليه وسلم إلا بالشرط المذكور هو عليه الصلاة والسلام أكرم الناس وأقلهم حجابا فغيره صلى الله عليه وسلم يعلم بالطريق الأولى.
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»