تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٣٩
لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " وبدأ سبحانه بالإرشاد إلى غض البصر لما في ذلك من سد باب الشر فإن النظر باب إلى كثير من الشرور وهو بريد الزنا ورائد الفجور، وقال بعضهم: كل الحوادث مبداها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر والمرء ما دام ذا عين يقلبها * في أعين العين موقوف على الخطر كم نظرة فعلت في قلب فاعلها * فعل السهام بلا قوس ولا وتر يسر نا ظره ما ضر خاطره * لا مرحبا بسرور عاد بالضرر والظاهر أن الإرشاد لكل واحد من المؤمنين ولفظ الجمع لا يأبى ذلك، والظاهر أيضا أن المؤمنين أعم من العباد وغيرهم، وزعم بعضهم جواز أن يكون المراد بهم العياد والمؤمنين المخلصين على أن يكون المعنى قل للمؤمنين الكاملين يغضوا من أبصارهم * (ويحفظوا فروجهم) * أي عما لا يحل لهم من الزنا واللواطة، ولم يؤت هنا بمن التبعيضية كما أتى بها فيما تقدم لما أنه ليس فيه حسن كناية كما في ذلك. وفي الكشاف دخلت * (من) * في غض البصر دون حفظ الفرج دلالة على أن أمر النظر أوسع ألا ترى أن المحارم لا بأس للبيع والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في إحدى الروايتين وأما أمر الفرج فمضيق، وكفاك فرقا أن أبيح النظر إلا ما اشتثنى منه وحظر الجماع إلا ما استثنى منه انتهى، وقال صاحب الفرائد: يمكن أن يقال المراد غض البصر عن الأجنبية والأجنبية يحل النظر إلى بعضها وأما الفرج فلا طريق إلى الحل فيه أصلا بالنسبة إلى الأجنبية فلا وجه لدخول * (من) * فيه وفيه تأمل، وقيل: لم يؤت بمن هنا لأن المراد من حفظ الفروج سترها.
فقد أخرج ابن المنذر. وجماعة عن أبي العالية أنه قال: كل آية يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية في النور * (ويحفظوا فروجهم. ويحفظن فروجهن) * فهو أن لا يراها أحد، وروي نحوه عن أبي زيد، والستر مأمور به مطلقا.
وتعقب بأنه يجوز الكشف في مواضع فلو جيء بمن لكان فيه إشارة إلى ذلك، وتفسير حفظ الفروج هنا خاصة بسترها قيل لا يخلو عن بعد لمخالفته لما وقع في القرآن الكريم كما اعترف به من فسره بما ذكر.
واختار بعض المدققين أن المراد من ذلك حفظ الفروج عن الافضاء إلى ما لا يحل وحفظها عن الإبداء لأن الحفظ لعدم ذكر صلته يتناول القسمين، وذكر أن الحفظ عن الابداء يستلزم الآخر من وجهين عدم خلوه عن الإبداء عادة وكون الحفظ عن الإبداء بل الأمر بالتستر مطلقا للحفظ عن الإفضاء، ومن هنا تعلم أن من ضعف ما روي عن أبي العالية. وابن زيد بعدم تعرض الآية عليه بحفظ الفرج عن الزنا لم يصب المحز.
* (ذالك) * أي ما ذكر من الغض والحفظ * (أزكى لهم) * أي أطهر من دنس الريبة أو انفع من حيث الدين والدنيا فإن النظر بريد الزنا وفيه من المضار الدينية أو الدنيوية ما لا يخفى وافعل للمبالغة دون التفضيل.
وجوز أن يكون للتفضيل على معنى أزكى من كل شيء نافع أو مبعد عن الريبة، وقيل على معنى أنه أنفع من الزنا والنظر الحرام فانهم يتوهمون لذة ذلك نفعا * (إن الله خبير بما يصنعون) * لا يخفى عليه شيء مما يصدر عنهم من الأفاعيل التي من جملتها إجالة النظر واستعمال سائر الحواس وتحريك الجوارح وما يقصدون بذلك
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»