جيء بضمير العقلاء راجعا إلى الكل، ويجري ذلك في * (خالدون) * أيضا، وكذا غلب من يتأتى منه الزفير ممن فيه حياه على غيره من الأصنام أيضا حيث نسب الزفير للجميع، وجوز أن يجعل الله تعالى للأصنام التي عبدت حياة فيكون حالها حال من معها ولها ما لهم فلا تغليب، وقيل: الضمير للمخاطبين في * (إنكم) * خاصة على سبيل الالتفات فلا حاجة إلى القول بالتغليب أصلا. ورد بأنه يوجب تنافر النظم الكريم ألا ترى قوله تعالى: * (أنتم لها واردون) * (الأنبياء: 98) كيف جمع بينهم تغليبا للمخاطبين فلو خص * (لهم فيها زفير) * لزم التفكيك، وكذا الكلام في قوله تعالى: * (وهم فيها لا يسمعون) * أي لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة الهول وفظاعة العذاب على ماقيل، وقيل: لا يسمعون لو نودي عليهم لشدة زفيرهم، وقيل: لا يسمعون ما يسرهم من الكلام إذ لا يكلمون إلا بما يكرهون، وقيل: إنهم يبتلون بالصمم حقيقة لظاهر قوله تعالى: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) * (الإسراء: 17) وهو كما تزى، وذكر في حكمة إدخال المشركين النار مع معبوداتهم أنها زيادة غمهم برؤيتهم إياها معذبة مثلهم وقد كانوا يرجون شفاعتها، وقيل: زيادة غمهم برؤيتها معهم وهي السبب في عذابهم فقد قيل: واحتمال الأذى ورؤية جاني * - ه غذاء تضنى به الأجسام وظاهر بعض الأخبار أن نهاية المخلدين أن لا يرى بعضهم بعضا فقد روى ابن جرير. وجماعة عن ابن مسعود أنه قال: إذا بقى في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت من حديد ثم قذفوا في أسفل الجحيم فما يرى أحدهم أنه يعذب في النار غيره ثم قرأ الآية * (لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) * ومنه يعلم قول آخر في * (لا يسمعون) * والله تعالى أعلم.
* (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولائك عنها مبعدون) *.
* (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * أي الخصلة المفضلة في الحسن وهي السعادة، وقيل: التوفيق للطاعة، والمراد من سبق ذلك تقديره في الأزل، وقيل: الحسنى الكلمة الحسنى وهي المتضمنة للبشارة بثوابهم وشكر أعمالهم، والمراد من سبق ذلك تقدمه في قوله تعالى: * (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون) * (الأنبياء: 94) وهو خلاف الظاهر، والظاهر أن المراد من الموصول كل من اتصف بعنوان الصلة وخصوص السبب لا يخصص، وما ذكر في بعض الآثار من تفسيره بعيسى. وعزير. والملائكة عليهم السلام فهو من الاقتصار على بعض أفراد العام حيث أنه السبب في النزول، وينبغي أن يجعل من باب الاقتصار ما أخرجه ابن أبي شيبة. وغيره عن محمد بن حاطب عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه فسر الموصول بعثمان وأصحابه رضي الله تعالى عنهم.
وروى ابن أبي (اتم. وجماعة عن النعمان بن بشير أن عليا كرم الله تعالى وجهه قرأ الآية فقال: أنا منهم وعمر منهم وعثمان متهم والزبير منهم وطلحة منهم وسعد وعبد الرحمن منهم كذا رأيته في " الدر المنثور "، ورأيت في غيره عد العشرة المبشرة رضي الله تعالى عنهم، والجاران متعلقان بسبقت.
وجوز أبو البقاء في الثاني كونه متعلقا بمحذوف وقع حالا من * (الحسنى) * وقوله تعالى: * (أولئك) * إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتهم وبعد منزلتهم في الشرف