تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٨٦
* (فنجينا) * بالفاء وزكريا عليه السلام لم يصدر منه ما يعد ذنبا بالنسبة إليه ليتلطف في سؤال عدم المؤاخذة مع أنه قال سبحانه في قصته * (ووهبنا) * بالواو فلا بد حينئذ من بيان نكتة غير ما ذكر للتعبير في كل موضع من هذين الموضعين بما عبر، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ذكره الشهاب في الآية الأخيرة، وربما يقال: إنه جيء بالفاء التفصيلية في قصتي نوح. وأيوب عليهما السلام اعتناء بشأن الاستجابة لمكان الإجمال والتفصيل لعظم ما كانا فيه وتفاقمه جدا، ألا ترى كيف يضرب المثل ببلاء أيوب عليه السلام حيث كان في النفس والأهل والمال واستمر إلى ما شاء الله تعالى وكيف وصف الله تعالى ما نجى الله سبحانه منه نوحا عليه السلام حيث قال عز وجل * (فنجيناه وأهله من الكلب العظيم) * (الأنبياء: 76) ولا كذلك ما كان فيه ذو النون. وزكريا عليهما السلام بالنسبة إلى ذلك فلذا جيء في آيتيهما بالواو وهي وإن جاءت للتفيسر لكن مجيء الفاء لذلك أكثر، ولا يبعد عندي ما ذكره الخفاجي في هذه الآية من كون الاستجابة عبارة عن قبول توبته عليه السلام والتنجية زيادة إحسان على مطلوبه ويقال فيما سيأتي ما ستسمعه إن شاء الله تعالى * (وكذلك) * أي مثل ذلك الإنجاء الكامل * (ننجي المؤمنين) * من غموم دعوا الله تعالى فيها بالإخلاص لا إنجاء أدنى منه.
وقرأ الجحدري * (ننجى) * مشددا مضارع نجى. وقرأ ابن عامر. وأبو بكر * (نجى) * بنون واحدة مضمومة وتشديد الجيم وإسكان الياء، واختار أبو عبيدة هذه القراءة على القراءة بنونين لكونها أوفق بالرسم العثماني لما أنه بنون واحدة، وقال أبو علي في الحجة: روى عن أبي عمرو * (نجى) * بالإدغام والنون لا تدغم في الجيم وإنما أخفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ، ومن قال: تدغم فقد غلط لأن هذه النون تخفى مع حروف الفم وتسمى الأحرف الشجرية وهي الجيم والشين والضاد وتبيينها لحن فلما أخفى ظن السامع أنه مدغم انتهى.
وقال أبو الفتح ابن جنى: أصله ننجي كما في قراءة الجحدري فحذفت النون الثانية لتوالي المثلين والأخرى جيء بها لمعنى والثقل إنما حصل بالثانية وذلك كما حذفت التاء الثانية في * (تظاهرون) * ولا يضر كونها أصلية وكذا لا يضر عدم اتحاد حركتها مع حركة النون الأولى فإن الداعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإدغام فقول أبي البقاء: إن هذا التوجيه ضعيف لوجهين، أحدهما: أن النون الثانية أصل وهي فاء الكلمة فحذفها يبعد جدا، والثاني: أن حركتها فير حركة النون الأولى فلا يستثقل الجمع بينهما بخلاف * (تظاهرون) * ليس في حيز القبول، وإنما امتنع الحذف في * (تتجافى) * لخوف اللبس بالماضي بخلاف ما نحن فيه لأنه لو كان ماضيا لم يسكن آخره، وكونه سكن تخفيفا خلاف الظاهر، وقيل هو فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله وسكنت الياء للتخفيف كما في قراءة من قرأ * (وذروا ما بقي من الربا) * (البقرة: 278).
هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم * ماضي العزيمة ما في حكمه جنف ونائب الفاعل ضمير المصدر و * (المؤمنين) * مفعول به، وقد أجاز قيام المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول به الأخفش. والكوفيون. وأبو عبيد، وخرجوا على ذلك قراءة أبي جعفر * (ليجزي قوما) * (الجاثية: 14). ولو ولدت فقيرة جرو كلب * لسب بذلك الكلب الكلابا
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»