تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٩٥
أن تكون ظاهرة فيه أو فيما يعمه بل هي ظاهرة في غير العالم لا سيما هنا لأن الخطاب مع عبدة الأصنام وإذا كانت ظاهرة فيما لا يعقل وجب تنزيلها عليه، وما ذكر من الوجه الأول في المعنى فليس بنص في أن المعترضين إنما اعترضوا لفهمهم العموم من * (ما) * وضعا لجواز أن يكون ذلك لفهمهم إياه من دلالة النص كما مر، وما ذكر من الوجه الثاني من عدم الاحتياج إلى قوله تعالى: * (من دون الله) * فإنما يصح أن لو لم تكن فيه فائدة، وفائدته مع التأكيد تقبيح ما كانوا عليه، وإن سلمنا أن * (ما) * حقيقة فيمن يعقل فلا نسلم أن بيان التخصيص لم يكن مقارنا للآية فإن دليل العقل صالح للتخصيص خلافا لطائفة شاذة من المتكلمين، والعقل قد دل على امتناع تعذيب أحد بجرم صادر من غيره اللهم إلا أن يكون راضيا بحرم ذلك الغير، وأحد من العقلاء لم يخطر بباله رضا المسيح. وعزير. والملائكة عليهم السلام بعبادة من عبدهم وما مثل هذا الدليل العقلي فلا نسلم عدم مقارنته للآية، وأما قوله تعالى: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * الآية فإنما ورد تأكيدا بضم الدليل الشرعي إلى الدليل العقلي مع الاستغناء عن أصله أما أن يكون هو المستقل بالبيان فلا، وعدم تعرضه صلى الله عليه وسلم للدليل العقلي لم يكن لأنه لم يكن بل لأنه عليه الصلاة والسلام لما رآهم لم يلتفتوا إليه وأعرضوا عنه فاعترضوا بما اعترضوا مع ظهوره انتظر ما يقويه من الدليل السمعي أو لأن الوحي سبقه عليه الصلاة والسلام فنزلت الآية قبل أن ينبههم على ذلك، وقيل: إنهم تعنتوا بنوع من المجاز فنزل ما يدفعه، وقيل: إن هذا خبر لا تكليف فيه والاختلاف في جواز تأخير البيان مخصوص بما فيه تكليف، وفيه نظر، وقال العلامة ابن الكمال: لا خلاف بيننا وبين الشافعي في قصر العام على بعض ما يتناوله بكلام مستقل متراخ إنما الخلاف في أنه تخصيص حتى يصير العام به ظنيا في الباقي أو نسخ حتى يبقى على ما كان فلا وجه للاحتجاج بقوله تعالى: * (وما تعبدون من دون الله) * لأن الثابت به على تقدير التمام قصر العام بالمتراخي والخلاف فيما وراءه والدليل قاصر عن بيانه ولا للجواب بأن ما تعبدون لا يتناول عيسى. وعزيرا والملائكة عليهم السلام لا لأن * (ما) * لغير العقلاء لما أنه على خلاف ما عليه الجمهور بل لأنهم ما عبدوا حقيقة على ما أفصح عنه صلى الله عليه وسلم حين قال ابن الزبعري: أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة بقوله صلى الله عليه وسلم: بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك فقوله تعالى: * (إن الذين) * الآية لدفع ذهاب الوهم إلى التناول لهم نظرا إلى الظاهر.
وجوابه صلى الله عليه وسلم بذلك مما رواه ابن مردويه. والواحدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه فأنزل الله تعالى: * (إن الذين سبقت) * الآية، وعلى وفق هذا ورد جواب الملائكة عليهم السلام في قوله تعالى: * (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن) * (سبأ: 40، 41) والجمع بين هذه الرواية والرواية السابقة أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر لابن الزبعري أن الآية عامة لكل من عبد من دون الله تعالى بطريق دلالة النص وقال ابن الزبعري: أليس اليهود الخ ذكر عدم تناولها المذكورين عليهم السلام من حيث أنهم لم يشاركوا الأصنام في المعبودية من دون الله تعالى لعدم أمرهم ولا رضاهم بما كان الكفرة يفعلون، ولعل فيه رمزا خفيا إلى الدليل العقلي على عدم مؤاخذتهم ثم نزلت الآية تأكيدا لعدم التناول، لكن لا يخفى أن هذه الرواية إن صحت تقتضي أن لا تكون الأصنام معبودة أيضا لأنها لم تأمرهم بالعبادة فلا تكون * (ما) * مطلقة عليها بل على الشياطين بناء على أنها هي الآمرة الراضية بذلك فهي معبوداتهم، ولذا قال إبراهيم عليه السلام: * (يا أبت لا تعبد الشيطان) * (مريم: 44) مع أنه كان يعبد الأصنام ظاهرا.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»