تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٧١
وعن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " طوبى لأهل الشام فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: لأن الملائكة عليهم السلام باسطة أجنحتها عليها " أخرجه الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. وأما العراق فقد ذكر الغزالي عليه الرحمة في باب المحنة من الاحياء اتفاق جماعة من العلماء على ذمة وكراهة سكناه واستحباب الفرار منه ولعل وجه ذلك غني عن البيان فلا ننقب فيه البنان.
* (ووهبنا له إسح‍اق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا ص‍الحين) *.
* (ووهبنا له إسح‍اق ويعقوب نافلة) * أي عطية كما روي عن مجاهد. وعطاء من نقله بمعنى أعطاه، وهو على ما اختاره أبو حيان مصدر كالعاقبة والعافية منصوب بوهبنا على حد قعدت جلوسا، واختار جمع كونه حالا من إسحاق ويعقوب أو ولد ولد أو زيادة على ما سأل عليه السلام وهو إسحاق فيكون حالا من يعقوب ولا لبس فيه للقرينة الظاهرة * (وكلا) * من المذكورين وهم إبراهيم. ولوط. وإسحاق. ويعقوب عليهم السلام لا بعضهم دون بعض * (جعلنا صالحين) * بأن وفقناهم للصلاح في الدين والدنيا فصاروا كاملين.
* (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينآ إليهم فعل الخيرات وإقام الصلواة وإيتآء الزكواة وكانوا لنا ع‍ابدين) *.
* (وجعلناهم أئمة) * يقتدى بهم في أمور الدين * (يهدون) * أي الأمة إلى الحق * (بأمرنا) * لهم بذلك وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين * (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) * ليتم الكمال بانضمام العمل إلى العلم، وأصله على ما ذهب إليه الزمخشري ومن تابعه أن يفعل الخيرات ببناء الفعل لما لم يسم فاعله، ورفع الخيرات على النيابة عن الفاعل ثم فعلا الخيرات بتنوين المصدر ورفع الخيرات أيضا على أنه نائب الفاعل لمصدر المجهول ثم فعل الخيرات بحذف التنوين وإضافة المصدر لمعموله القائم مقام فاعله، والداعي لذلك كما قيل أن * (فعل الخيرات) * بالمعنى المصدري ليس موحى إنما الموحى أن يفعل، ومصدر المبني للمفعول والحاصل بالمصدر كالمترادفين، وأيضا الوحي عام للأنبياء المذكورين عليهم السلام وأممهم فلذا بني للمجهول.
وتعقب ذلك أبو حيان بأن بناء المصدر لما لم يسم فاعله مختلف فيه فأجاز ذلك الأخفش والصحيح منعه، وما ذكر من عموم الوحي لا يوجب ذلك هنا إذ يجوز أن يكون المصدر مبنيا للفاعل ومضافا من حيث المعنى إلى ظاهر محذوف يشمل الموحى إليهم وغيرهم أي فعل المكلفين الخيرات، ويجوز أن يكون مضافا إلى الموحى إليهم أي أن يفعلوا الخيرات وإذا كانوا قد أوحى إليهم ذلك فاتباعهم جارون مجراهم في ذلك ولا يلزم اختصاصهم به انتهى. وانتصر للزمخشري بأن ما ذكره بيان لأمر مقرر في النحو والداعي إليه أمران ثانيهما ما ذكر من عموم الموحى الذي اعترض عليه والأول سالم عن الاعتراض ذكر أكثر ذلك الخفاجي ثم قال: الظاهر أن المصدر هنا للأمر كضرب الرقاب، وحينئذ فالظاهر أن الخطاب للأنبياء عليهم السلام فيكون الموحى قول الله تعالى افعلوا الخيرات، وكان ذلك لأن الوحي مما فيه معنى القول كما قالوا فيتعلق به لا بالفعل إلا أنه قيل يرد عليه ما أشير أولا إليه من أن ما ذكر ليس من الأحكام المختصة بالأنبياء عليهم السلام ولا يخفى أن الأمر فيه سهل، وجوز أن يكون المراد شرعنا لهم فعل ذلك بالإيحاء إليهم فتأمل، والكلام في قوله تعالى: * (وإقام الصلواة وإيتاء الزكواة) * على هذا الطرز، وهو كما قال غير واحد من عطف الخاص على العام دلالة على فضله وإنافته، وأصل * (إقام) * أقوام فقلبت واوه ألفا بعد نقل حركتها لما قبلها وحذف إحدى الفيه لالتقاء الساكنين، والأكثر تعويض التاء عنها فيقال إقامة وقد تترك التاء إما مطلقا كما ذهب
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»