تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٧٣
أن جميع الناس الباقين بعد الطوفان من ذريته عليه السلام وهو ابن لملك ابن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس فيما يقال وهو أطول الأنبياء عليهم السلام على ما في التهذيب عمرا، وذكر الحاكم في " المستدرك " أن اسمه عبد الغفار وأنه قيل له نوح لكثرة بكائه على نفسه، وقال الجواليقي: إن لفظ نوح أعجمي معرب زاد الكرماني ومعناه بالسريانية الساكن * (إذ نادى) * أي دعا الله تعالى بقوله: * (إني مغلوب فانتصر) * (القمر: 10) وقوله: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * (نوح: 26) وإذ ظرف للمضاف المقدر كما أشرنا إليه ومن لم يقدر يجعله بدل اشتمال من نوح. * (من قبل) * أي من قبل هؤلاء المذكورين، وذكرنا قبل قولا آخر * (فاستجبنا له) * دعاءه * (فنجيناه وأهله من الكرب العظيم) * وهو الطوفان أو أذية قومه؛ وأصل الكرب الغم الشديد وكأنه على ما قيل من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر إذ الغم يثير النفس إثارة ذلك أو من كربت الشمس إذا دنت للمغيب فإن الغم الشديد تكاد شمس الروح تغرب منه أو من الكرب وهو عقد غليظ في رشاء الدلو فإن الغم كعقدة على القلب، وفي وصفه بالعظيم تأكيد لما يدل عليه.
* (ونصرن‍اه من القوم الذين كذبوا بااي‍اتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقن‍اهم أجمعين) *.
* (ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا) * أي منعناه وحميناه منهم بإهلاكهم وتخليصه، وقيل: أي نصرناه عليهم فمن بمعنى على، وقال بعضهم: إن النصر يتعدى بعلى ومن، ففي الأساس نصره الله تعالى على عدوه ونصره من عدوه، وفرق بينهما بأن المتعدي بعلى يدل على مجرد الأعانة والمتعدي بمن يدل على استتباع ذلك للانتقام من العدو والانتصار * (إنهم كانوا قوم سوء) * منهمكين في الشر، والجملة تعليل لما قبلها وتمهيد لما بعد من قوله تعالى: * (فأغرقناهم أجمعين) * فإن تكذيب الحق والانهماك في الشر مما يترتب عليه الإهلاك قطعا في الأمم السابقة، ونصب * (أجمعين) * قيل على الحالية من الضمير المنصوب وهو كما ترى، وقال أبو حيان: على أنه تأكيد له وقد كثير التأكيد بأجمعين غير تابع لكل في القرآن فكان ذلك حجة على ابن مالك في زعكمه أن التأكيد به كذلك قليل والكثير استعماله تابعا لكل انتهى.
* (وداوود وسليم‍ان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم ش‍اهدين) *.
* (وداود وسليم‍ان) * اما عطف على * (نوحا) * معمول لعامله أعني اذكر عليه على ما زعم ابن عطية، وأما مفعول لمضمر معطوف على ذلك العامل بتقدير المضاف أي نبأ داود وسليمان. وداود بن إيشا بن عوبر بن باعر بن سلمون بن يخشون بن عمى بن يارب بن حضرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب عليه السلام، كان كما روى عن كعب أحمر الوجه سبط الرأس أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت وجمع له بين النبوة والملك، ونقل النووي عن أهل التاريخ أنه عاش مائة سنة ومدة ملكه منها أربعون وكان له إثنا عشر ابنا وسليمان عليه السلام أحد أبنائه وكان عليه السلام يشاور في كثير من أموره مع صغر سنه لوفور عقله وعلمه.
وذكر كعب أنه كان أبيض جسيما وسيما وضيئا خاشعا متواضعا، وملك كما قال المؤرخون وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وله ثلاث وخمسون سنة، وقوله تعالى: * (إذ يحكمان) * ظرف لذلك المقدر، وجوزت البدلية على طرز ما مر، والمراد إذ حكما * (في الحرث) * إلا أنه جيء بصيغة المضارع حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها، والمراد بالحرث هنا الزرع.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»