تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٦٧
الظالمون) * إلى الجدال معه عليه السلام بالباطل في قولهم: * (لقد علمت) * والثالث: أن النكس مبالغة في إطراقهم رؤوسهم خجلا وقولهم: * (لقد علمت) * الخ رمى عن حيرة ولهذا أتوا بما هو حجة عليهم وجاز أن يجعل كناية عن مبالغة الحيرة وانخذال الحجة فإنها لا تنافي الحقيقة، قال في " الكشف ". وهذا وجه حسن وكذلك الأول، وكون المراد النكس في الرأي رواه أبو حاتم عن ابن زيد وهو للوجهين الأولين، وقال مجاهد: * (نكسوا على رءوسهم) * ردت السفلة على الرؤساء فالمراد بالرؤوس الرؤساء، والأظهر عندي الوجه الثالث، وأيا ما كان فالجار متعلق بنكسوا.
وجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا، والجملة القسمية مقولة لقول مقدر أي قائلين * (لقد) * الخ، والخطاب في * (علمت) * لإبراهيم عليه السلام لا لكل من يصلح للخطاب، والجملة المنفية في موضع مفعولي علم إن تعدت إلى اثنين أو في موضع مفعول واحد إن تعدت لواحد، والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار كما يوهمه صيغة المضارع، وقرأ أبو حيوة. وابن أبي عبلة. وابن مقسم. وابن الجارود. والبكراوي كلاهما عن هشام بتشديد كاف * (نكسوا) *، وقرأ رضوان بن عبد المعبود * (نكسوا) * بتخفيف الكاف مبنيا للفاعل أي نكسوا أنفسهم وقيل: رجعوا على رؤسائهم بناءا على ما يقتضيه تفسير مجاهد.
* (قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم) *.
* (قال) * عليه السلام مبكتا لهم * (أفتعبدون) * أي أتعلمون ذلك فتعبدون * (من دون الله) * أي مجاوزين عبادته تعالى: * (ما لا ينفعكم شيئا) * من النفع، وقيل: بشيء * (ولا يضركم) * فإن العلم بحاله المنافية للألوهية مما يوجب الاجتناب عن عبادته قطعا.
* (أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) *.
* (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) * تضجر منه عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق، وأصل أف صوت المتضجر من استقذار شيء على ما قال الراغب ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر وفيه لغات كثيرة، واللام لبيان المتأفف له، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لمزيد استقباح ما فعلوا * (أفلا تعقلون) * أي ألا تتفكروا فلا تعقلون قبح صنيعكم.
* (قالوا حرقوه وانصروا ءالهتكم إن كنتم فاعلين) *.
* (قالوا) * أي قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المحاجة وضاقت بهم الحيل وهذا ديدن المبطل المحجوج إذا بهت بالحجة وكانت له قدرة يفزع إلى المناصبة * (حرقوه) * فإن النار أشد العقوبات ولذا جاء لا يعذب بالنار إلا خالقها * (وانصروا ءالهتكم) * بالانتقام لها * (إن كنتم فاعلين) * أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا فاختاروا له ذلك وإلا فرطتم في نصرتها وكأنكم لم تفعلوا شيئا ما فيها، ويشعر بذلك العدول عن إن تنصروا آلهتكم فحرقوه إلى ما في " النظم الكريم "، وأشار بذلك على المشهور ورضي به الجميع نمروذ بن كنعان بن سنحاريب بن نمروذ بن كوس بن حام بن نوح عليه السلام.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر فقال: أتدري يا مجاهد من الذي أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام بالنار؟ قلت: لا قال: رجل من أعراب فارس يعني الأكراد ونص على أنه من الأكراد ابن عطية، وذكر أن الله تعالى خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، واسمه على ما أخرج
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»