تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٦٦
وتعقبه أبو البقاء بأنه بعيد لأن حذف الفاعل لا يسوغ أي عند الجمهور وإلا فالكسائي يقول بجواز حذفه.
وقيل يجوز أن يقال: أنه أراد بالحذف الإضمار، وأكثر القراء اليوم على الوقف على ذلك وليس بشيء، وقيل الوقف على * (كبيرهم) * وأراد به عليه السلام نفسه لأن الإنسان أكبر من كل صنم، وهذا التوجيه عندي ضرب من الهذيان، ومثله أن يراد به الله عز وجل فإنه سبحانه كبير الآلهة ولا يلاحظ ما أرادوه بها، ويعزى للفراء أن الفاء في * (فعله) * عاطفة وعله بمعنى لعله فخفف.
واستدل عليه بقراءة ابن السميقع * (فعله) * مشدد اللام، ولا يخفى أن يجل كلام الله تعالى العزيز عن مثل هذا التخريج، والآية عليه في غاية الغموض وما ذكر في معناها بعيد بمراحل عن لفظها، وزعم بعضهم أن الآية على ظاهرها وادعى أن صدور الكذب من الأنبياء عليهم السلام لمصلحة جائز، وفيه أن ذلك يوجب رفع الوثوق بالشرائع لاحتمال الكذب فيها لمصلحة فالحق أن لا كذب أصلا وأن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، وإنما قال عليه السلام: * (إن كانوا ينطقون) * دون إن كانوا يسمعون أو يعقلون مع أن السؤال موقوف على السمع والعقل أيضا لما أن نتيجة السؤال هو الجواب وإن عدم نطقهم أظهر وتبكيتهم بذلك أدخل، وقد حصل ذلك حسبما نطق به [بم قوله تعالى:
* (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظ‍المون) *.
* (فرجعوا إلى أنفسهم) * فتفكروا وتدبروا وتذكروا أن ما لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإضرار بمن كسره بوجه من الوجوه يستحيل أن يقدر على دفع مضرة عن غيره أو جلب منفعة له فكيف يستحق أن يكون معبودا.
* (فقالوا) * أي قال بعضهم لبعض فيما بينهم * (إنكم أنتم الظالمون) * أي بعبادة ما لا ينطق قاله ابن عباس أو بسؤالكم إبراهيم عليه السلام وعدو لكم عن سؤالها وهي آلهتكم ذكره ابن جرير أو بنفس سؤالكم إبراهيم عليه السلام حيث كان متضمنا التوبيخ المستتبع للمؤاخذة كما قيل أو بغفلتكم عن آلهتكم وعدم حفظكم إياها أو بعبادة الأصاغر مع هذا الكبير قالهما وهب أو بأن اتهمتم إبراهيم عليه السلام والفأس في عنق الكبير قاله مقاتل. وابن إسحاق، والحصر إضافي بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام.
* (ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما ه‍اؤلاء ينطقون) *.
* (ثم نكسوا على رؤسهم) * أصل النكس قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفله، ولا يلغو ذكر الرأس بل يكون من التأكيد أو يعتبر التجريد، وقد يستعمل النكس لغة في مطلق قلب الشيء من حال إلى حال أخرى ويذكر الرأس للتصوير والتقبيح.
وذكر الزمخشري على ما في " الكشف " في المراد به هنا ثلاثة أوجه، الأول: أنه الرجوع عن الفكرة المستقيمة الصالحة في تظليم أنفسهم إلى الفكرة الفاسدة في تجويز عبادتها مع الاعتراف بتقاصر حالها عن الحيوان فضلا أن تكون في معرض الإلهية فمعنى * (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) * لا يخفى علينا وعليك أيها المبكت بأنها لا تنطق أنها كذلك وإنا إنما اتخذناها آلهة مع العلم بالوصف، والدليل عليه جواب إبراهيم عليه السلام الآتي، والثاني: أنه الرجوع عن الجدال معه عليه السلام بالباطل في قولهم: * (من فعل هذا بآلهتنا) * وقولهم: * (أأنت فعلت) * إلى الجدال عنه بالحق في قولهم * (لقد علمت) * لأنه نفى للقدرة عنها واعتراف بعجزها وأنها لا تصلح للإلهية وسمي نكسا وإن كان حقا لأنه ما أفادهم عقدا فهو نكس بالنسبة إلى ما كانوا عليه من الباطل حيث اعترفوا بعجزها وأصروا. وفي لباب التفسير ما يقرب منه مأخذا لكنه قدر الرجوع عن الجدال عنه في قولهم: * (إنكم أنتم
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»