تامة * (أتينا بها) * أي جئنا بها وبه قرأ أبي، والمراد أحضرناها، فالباء للتعدية والضمير للمثقال وأنث لاكتساب التأنيث من المضاف إليه والجملة جواب إن الشرطية، وجوز أن تكون إن وصلية والجملة مستأنفة وهو خلاف الظاهر. وقرأ ابن عباس. ومجاهد. وابن جبير. وابن أبي إسحاق. والعلاء بن سيابة. وجعفر بن محمد. وابن شريح الأصبهاني * (آتينا) * بمدة على أنه مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه تعالى بالأعمال وأتاهم بالجزاء، وقيل هو من الإيتاء وأصله أأتينا فأبدلت الهمزة الثانية ألفا، والمراد جازينا أيضا مجازا ولذا عدى بالباء ولو كان المراد أعطينا كما قال بعضهم لتعدى بنفسه كما قال ابن جني وغيره. وقرأ حميد * (أثبنا) * من الثواب * (وكفى بنا حاسبين) * قيل أي عادين ومحصين أعمالهم على أنه من الحساب مرادا به معناه اللغوي وهو العد وروي ذلك عن السدي، وجوز أن يكون كناية عن المجازاة. وذكر اللقاني أن الحساب في عرف الشرع توقيف الله تعالى عباده إلا من استثنى منهم قبل الانصراف من المحشر على أعمالهم خيرا كانت أو شرا تفصيلا لا بالوزن، وأنه كما ذكر الواحدي وغيره وجزم به صاحب كنز الإسرار قبل الوزن، ولا يخفى أن في الآية إشارة ما إلى أن الحساب المذكور فيها بعد وضع الموازين فتأمل، ونصب الوصف إما على أنه تمييز أو على أنه حال واستظهر الأول في " البحر ".
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) * (الأنبياء: 1) الخ فيه إشارة إلى سوء حال المحجوبين بحب الدنيا عن الاستعداد للأخرى فغفلوا عن إصلاح أمرهم وأعرضوا عن طاعة ربهم وغدت قلوبهم عن الذكر لاهية وعن التفكير في جلاله وجماله سبحانه ساهية، وفي قوله تعالى: * (وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم) * (الأنبياء: 3) إشارة إلى سوء حال بعض المنكرين على أولياء الله تعالى فإن نفوسهم الخبيثة الشيطانية تأبى اتباعهم لما يرون من المشاركة في العوارض البشرية * (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) * (الأنبياء: 11) فيه إشارة إلى أن في الظلم خراب العمران فمتى ظلم الإنسان خرب قلبه وجر ذلك إلى خراب بدنه وهلاكه بالعذاب، وفي قوله تعالى: * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) * (الأنبياء: 18) إشارة إلى أن مداومة الذكر سبب لانجلاء الظلمة عن القلب وتطهره من دنس الأغيار بحيث لا يبقى فيه سواه سبحانه ديار * (ومن عنده) * (الأنبياء: 19) قيل هم الكاملون الذين في الحضرة فإنهم لا يتحركون ولا يسكنون إلا مع الحضور ولا تشق عليهم عبادة ولا تلهيهم عنه تعالى تجارة بواطنهم مع الحق وظواهرهم مع الخلق أنفاسهم تسبيح وتقديس وهو سبحانه لهم خير أنيس، وفي قوله تعالى: * (بل عباد مكرمون) * (الأنبياء: 26) * (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) * (الأنبياء: 27) إشارة إلى أن الكامل لا يختار شيئا بل شأنه التفويض والجريان تحت مجاري الأقدار مع طيب النفس، ومن هنا قيل إن القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره وغمرنا بره لم يتوف حتى ترقى عن مقام الإدلال إلى التفويض المحض، وقد نص على ذلك الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه " الجواهر واليواقيت " * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * (الأنبياء: 30) قد تقدم ما فيه من الإشارة * (كل نفس ذائقة الموت) * قال الجنيد قدس سره: من كانت حياته بروحه يكون مماته بذهابها ومن كانت حياته بربه تعالى فإنه ينقل من حياة الطبع إلى حياة الأصل وهي الحياة على الحقيقة * (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) * (الأنبياء: 35) قيل أي بالقهر واللطف والفراق والوصال والإدبار والإقبال والجهل والعلم إلى غير ذلك، ولا يخفى أنه كثيرا ما يمتحن السالك بالقبض والبسط فينبغي له التثبت