في كل عما يحطه عن درجته، ولعل فتنة البسط أشد من فتنة القبض فليتحفظ هناك أشد تحفظ * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) * (الأنبياء: 41) قال بعض الصوفية: الموازين متعددة فللعاشقين ميزان وللوالهين ميزان وللعاملين ميزان وهكذا، ومن ذلك ميزان للعارفين توزن به أنفاسهم ولا يزن نفسا منها السموات والأرض.
وذكروا أن في الدنيا موازين أيضا وأعظم موازينها الشريعة وكفتاه الكتاب والسنة، ولعمري لقد عطل هذا الميزان متصوفة هذا الزمان أعاذنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلال أنه عز وجل المتفضل بأنواع الإفضال.
* (ولقد ءاتينا موسى وهارون الفرقان وضيآء وذكرا للمتقين) *.
* (ولقد ءاتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين) * نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى: * (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) * (يوسف: 109) إلى قوله سبحانه: * (وأهلكنا المسرفين) * (الأنبياء: 9) وإشارة إلى كيفية انجائهم وإهلاك أعدائهم، وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه، والمراد بالفرقان التوراة وكذا بالضياء والذكر، والعطف كما في قوله: إن الملك القرم وابن الهمام * وليس الكتيبة في المزدحم ونقل الطيبي أنه أدخل الواو على * (ضياء) * وإن كان صفة في المعنى دون اللفظ كما يدخل على الصفة التي هي صفة لفظا كقوله تعالى: * (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) * (الأنفال: 49) وقال سيبويه: إذا قلت مررت بزيد وصاحبك جاز وإذا قلت ومررت بزيد فصاحبك بالفاء لم يجز كما جاز بالواو لأن الفاء تقتضي التعقيب وتأخير الاسم عن المعطوف عليه بخلاف الواو، وأما قول القائل: يا لهف زيابة للحارث الصا * بح فالغانم فالآيب فإنما ذكر بالفاء وجاء لأنه ليس بصفة على ذلك الحد لأن أل بمعنى الذي أي فالذي صبح فالذي غنم فالذي آب.
وأبو الحسن يجيز المسألة بالفاء كما يجيزها بالواو انتهى، والمعنى وبالله لقد آتيناهما كتابا جامعا بين كونه فارقا بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية وذكرا يتعظ به الناس ويتذكرون، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به أو ذكر ما يحتاجون به من الشرائع والأحكام أو شرف لهم. وقيل: الفرقان النصر كما في قوله تعالى: * (يوم الفرقان) * وأطلق عليه لفرقه بين الولي والعدو وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس، والضياء حينئذ إما التوراة أو الشريعة أو اليد البيضاء، والذكر بأحد المعاني المذكورة.
وعن الضحاك أن الفرقان فلق البحر والفلق إخوان، وإلى الأول ذهب مجاهد. وقتادة وهو اللائق بمساق النظم الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتب الإلهية لا سيما التوراة فيما ذكر من الصفات ولأن فلق البحر هو الذي اقترح الكفرة مثله بقولهم: * (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) * (الأنبياء: 5).
وقرأ ابن عباس. وعكرمة. والضحاك * (ضياء) * بغير واو على أنه حال من * (الفرقان) * وهذه القراءة تؤيد أيضا التفسير الأول [بم وقوله تعالى:
* (الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) *.
* (الذين يخشون ربهم) * مجرور المحل على أنه صفة مادحة للمتقين أو بدل أو بيان أو منصوب أو مرفوع على المدح، والمراد على كل تقدير يخشون عذاب ربهم. وقوله سبحانه: * (بالغيب) * حال من المفعول أي يخشون ذلك وهو غائب عنهم غير مرئي لهم ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار ما لم يشاهدوا ما أنذروه.