وزل وذام وذم. وقوله تعالى: * (بالذين سخروا منهم) * أي من أولئك الرسل عليهم السلام متعلق بحاق. وتقديمه على فاعله الذي هو قوله تعالى: * (ما كانوا به يستهزءون) * للمسارعة إلى بيان لحوق الشر بهم. و * (ما) * إما موصولة مفيدة للتهويل والضمير المجرور عائد عليها والجار متعلق بالفعل بعده وتقديمه لرعاية الفواصل أي فأحاط بهم الذي كانوا يستهزئون به حيث أهلكوا لأجله. وإما مصدرية فالضمير راجع إلى جنس الرسول المدلول عليه بالجمع كما قالوا. ولعل إيثار الإفراد على الجمع للتنبيه على أنه يحيق بهم جزاء استهزائهم بكل واحد منهم عليهم السلام لأجزاء استهزائهم بكلهم من حيث هو فقط أي فنزل بهم جزاء استهزائهم على وضع السبب موضع المسبب إيذانا بكمال الملابسة بينهما أو عين استهزائهم إن أريد بذلك العذاب الأخروي بناء على ظهور الأعمال في النشأة الأخروية بصور مناسبة لها في الحسن والقبح.
* (قل من يكلؤكم باليل والنهار من الرحمان بل هم عن ذكر ربهم معرضون) *.
* (قل) * أمر له صلى الله عليه وسلم أن يسأل أولئك المستهزئين سؤال تقريع وتنبيه كيلا يغتروا بما غشيهم من نعم الله تعالى ويقول: * (من يكلؤكم) * أي يحفظكم * (بالليل والنهار من الرحمن) * أي من بأسه بقرينة الحفظ، وتقديم الليل لما أن الدواهي فيه أكثر وقوعا وأشد وقعا. وفي التعرض لعنوان الرحمانية تنبيه على أنه لا حفظ لهم إلا برحمته تعالى وتلقين للجواب كما قيل في قوله تعالى: * (ما غرك بربك الكريم) * (الانفطار: 6) وقيل إن ذلك إيماء إلى أن بأسه تعالى إذا أراد شديد أليم ولذا يقال نعوذ بالله عز وجل من غضب الحليم وتنديم لهم حيث عذبهم من غلبت رحمته ودلالة على شدة خبثهم.
وقرأ أبو جعفر. والزهري. وشيبة * (يكلوكم) * بضمة خفيفة من غير همز، وحكى الكسائي. والفراء * (يكلوكم) * بفتح اللام وإسكان الواو، وقوله تعالى: * (بل هم عن ذكر ربهم معرضون) * إضراب عن ذلك تسجيلا عليهم بأنهم ليسوا من أهل السماع وأنهم قوم ألهتهم النعم عن المنعم فلا يذكرونه عز وجل حتى يخافوا بأسه أو يعدوا ما كانوا فيه من الأمن وال، عة حفظا وكلاءة ليسألوا عن الكالىء على طريقة قوله: عوجوا فحيوا لنعمي دمنة الدار * ماذا تحيون من نوء وأحجار وفيه أنهم مستمرون على الإعراض ذكروا ونبهوا أولا، وفي تعليق الإعراض بذكره تعالى وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميره المنبىء عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلالة والغي ما لا يخفى، وقيل إنه إضراب عن مقدر أي أنهم غير غافلين عن الله تعالى حتى لا يجدي السؤال عنه سبحانه كيف وهم إنما اتخذوا الآلهة وعبدوها لتشفع لهم عنده تعالى وتقربهم إليه زلفى بل هم معرضون عن ذكره عز وجل فالتذكير يناسبهم، وهذا مع ظهوره من مساق الكلام ووضوح انطباقه على مقتضى المقام قد خفي عن الناظرين وغفلوا عنه أجمعين اه. وتعقب بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل عليهم بأنهم إذا ذكروا لا يذكرون ألا يرى قوله تعالى: * (ولا يسمع الصم الدعاء) * وما ذكر يقتضي العكس لتضمنه وصفهم بإجداء الإنذار والدعاء مع أن قوله غير غافلين مناف لما يدل عليه النظم الكريم فالحق ما تقدم [بم وقوله تعالى:
* (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون) *.
* (أم لهم ءالهة تمنعهم من دوننا) * إعراض عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم باعتمادهم على آلهتهم وإسنادهم الحفظ إليها، فأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة و * (لهم) * خبر مقدم و * (ءالهة) * مبتدأ وجلمة * (تمنعهم) * صفته و * (من دوننا) * قيل صفة بعد صفة أي بل ألهم آلهة مانعة لهم