تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٢٠١
قتلتم فلانا وفيه بحث.
وقرأ الحسن. ويعقوب. وهارون. والخفاف. ومحبوب عن أبي عمرو * (يدعون) * بالياء التحتية مبنيا للفاعل كما في قراءة الجمهور. وقرأ اليماني. وموسى الأسواري * (يدعون) * بالياء من تحت أيضا مبنيا للمفعول، والراجع للموصول على القراءتين السابقتين محذوف * (لن يخلقوا ذبابا) * أي لا يقدرون على خلقه مع صغره وحقارته، ويدل على أن المراد نفي القدرة السباق مع قوله تعالى: * (ولو اجتمعوا له) * أي لخلقه فإن العرف قاض بأنه لا يقال: لن يحمل الزيدون كذا ولو اجتمعوا لحمله إلا إذا أريد نفي القدرة على الحمل، وقيل جاء ذلك من النفي بلن فإنها مفيدة لنفي مؤكد فتدل على منافاة بين المنفى وهو الخلق والمنفى عنه وهو المعبودات الباطلة فتفيد عدم قدرتها عليه، والظاهر أن هذا لا يستغنى عن معونة المقام أيضا، وأنت تعلم أن في إفادة لن النفي المؤكد خلافا؛ فذهب الزمخشري إلى إفادتها ذلك وأن تأكيد النفي هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل وقال في أنموذجه بإفادتها التأبيد.
وذهب الجمهور وقال أبو حيان: هو الصحيح إلى عدم إفادتها ذلك وهي عندهم أخت لا لنفي المستقبل عند الإطلاق بدون دلالة على تأكيد أو تأبيد وأنه إذا فهم فهو من خارج وبواسطة القرائن وقد يفهم كذلك مع كون النفي بلا فلو قيل هنا لا يخلقون ذبابا ولو اجتمعوا له لفهم ذلك، ويقولون في كل ما يستدل به الزمخشري لمدعاه: إن الإفادة فيه من خارج ولا يسلمون أنها منها ولن يستطيع إثباته أبدا. والانتصار بأن سيفعل في قوة مطلقة عامة ولن يفعل نقيضه فيكون في قوة الدائمة المطلقة ولا يتأتى ذلك إلا بإفادة لن التأبيد ليس بشيء أصلا كما لا يخفى، وكأن الذي أوقع الزمخشري في الغفلة فقال ما قال اعتمادا على ما لا ينتهض دليلا شدة التعصب لمذهبه الباطل واعتقاده العاطل نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الخذلان، والذباب اسم جنس ويجمع على أذبة وذبان بكسر الذال فيهما وحكى في البحر ضمها في ذبان أيضا، وهو مأخوذ من الذب أي الطرد والدفع أو من الذب بمعنى الاختلاف أي الذهاب والعود وهو أنسب بحال الذباب لما فيه من الاختلاف حتى قيل: إنه منحوت من ذب آب أي طرد فرجع، وجواب * (لو) * محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة معطوفة على شرطية أخرى محذوفة ثقة بدلالة هذه عليها أي لو لم يجتمعوا له ويتعاونوا عليه لن يخلقوه ولو اجتمعوا له وتعاونوا عليه لن يخلقوا وهما في موضع الحال كأنه قيل: لن يخلقوا ذبابا على كل حال.
وقال بعضهم: الواو للحال * (ولوا اجتمعوا له) * بجوابه حال، وقال آخرون: إن * (لو) * هنا لا تحتاج إلى جواب لأنها انسلخت عن معنى الشرطية وتمحضت للدلالة على الفرض والتقدير، والمعنى لن يخلقوا ذبابا مفروضا اجتماعهم * (وإن يسلبهم الذباب شيئا) * بيان لعجزهم عن أمر آخر دون الخلق أي وإن يأخذ الذباب منها شيئا * (لا يستنقذوه منه) * أي لا يقدروا على استنقاذه منه مع غاية ضعفه.
والظاهر أن استنقذ بمعنى نقذ، وفي الآية من تجهيلهم في إشراكهم بالله تعالى القادر على جميع الممكنات المتفرد بإيجاد كافة الموجودات عجزة لا تقدر على خلق أقل الأحياء وأذلها ولو اجتمعوا له ولا على استنقاذ
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»