تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٦٧
وفي إرشاد العقل السليم لعل ذلك لما أنه قد ذكر حاله في تضاعيف دعائه وإنما المذكور ههنا بلوغه أقصى مراتب الكبر تتمة لما ذكر قبل وأما هنا لك فلم يسبق في الدعاء ذكر حاله فلذلك قدمه على ذكر حال امرأته لما أن المسارعة إلى بيان قصور شأنه أنسب اه‍.
وقال بعضهم: يحتمل تكرر الدعاء والمحاورة واختلاف الأسلوب للتفنن مع تضمن كل ما لم يتضمنه الآخر فتأمل والله تعالى الموفق، والظاهر أنه عليه السلام كان يعرف من نفسه أنه لم يكن عاقرا، ولذلك ذكر الكبر ولم يذكر العقر وإنما قال عليه السلام ما ذكر مع سبق دعائه بذلك وقوة يقينه بقدرة الله تعالى لا سيما بعد مشاهدته للشواهد المذكورة في سورة آل عمران استعظاما لقدرة الله تعالى واعتدادا بنعمته تعالى عليه في ذلك بإظهار أنه من محض فضل الله تعالى ولطفه مع كونه في نفسه من الأمور المستحيلة عادة ولم يكن ذلك استبعادا كذا قيل.
وقيل: هو استبعاد لكنه ليس راجعا إلى المتكلم بل هو بالنسبة إلى المبطلين، وإنما طلب عليه السلام ما يزيل شوكة استبعادهم ويجلب ارتداعهم من سيء عادتهم، وذلك مما لا بأس به من النبي خلافا لابن المنير، نعم أورد على ذلك أن الدعاء كان خفيا عن المبطلين.
وأجيب بأنه يحتمل أنه جهر به بعد ذلك إظهارا لنعمة الله تعالى عليه وطلبا لما ذكر فتذكر، وقيل: هو استبعاد راجع إلى المتكلم حيث كان بين الدعاء والبشارة ستون سنة، وكان قد نسي عليه السلام دعاءه وهو بعيد جدا.
وقال في " الانتصاف ": الظاهر والله تعالى أعلم أن زكريا عليه السلام طلب ولدا على الجملة وليس في الآية ما يدل أنه يوجد منه وهو هرم ولا إنه من زوجته وهي عاقر ولا أنه يعاد عليهما قوتهما وشبابهما كما فعل بغيرهما أو يكون الولد من غير زوجته العاقر فاستبعد الولد منهما وهما بحالهما فاستخبر أيكون وهما كذلك فقيل له كذلك أي يكون الولد وأنتما كذلك. وتعقب بأن قوله: * (فهب لي من لدنك) * ظاهر في أنه طلب الولد وهما على حالة يستحيل عادة منهما الولد.
والظاهر عندي كونه استبعادا من حيث العادة أو هو بالنسبة إلى المبطلين وهو كما في " الكشف " أولى. وقرأ أكثر السبعة * (عتيا) * بضم العين. وقرأ ابن مسعود بفتحها وكذا بفتح صاد * (صليا) *، وأصل ذلك كما قال ابن جني ردا على قول ابن مجاهد لا أعرف لهما في العربية أصلا ما جاء من المصادر على فعيل نحو الحويل والزويل. وعن ابن مسعود أيضا. ومجاهد أنهما قرآ * (عسيا) * بضم العين وبالسين مكسورة. وحكى ذلك الداني عن ابن عباس. والزمخشري عن أبي، ومجاهد وهو من عسا العود يعسو إذا يبس.
* (قال كذالك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) * * (قال كذلك قال ربك هو علي هين) * قرأ الحسن * (وهو على هين) * بالواو، وعنه أنه كسر ياء المتكلم كما في قول النابغة: علي لعمرو نعمة بعد نعمة * لوالده ليست بذات عقارب ونحو ذلك قراءة حمزة * (وما أنتم بمصرخي) * بكسر الياء، والكاف إما رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وضمير * (قال) * للرب عز وجل لا للملك المبشر لئلا يفك النظم، وذلك إشارة إلى قول زكريا عليه السلام، والخطاب في * (قال ربك) * له عليه السلام لا لنبينا صلى الله عليه وسلم بدليل السابق واللاحق، وجملة * (هو علي حين) * مفعول * (قال) * الثاني وجملة الأمر كذلك مع جملة * (قال ربك) * الخ مفعول * (قال) * الأول وإن لم يتخلل بين الجملتين عاطف كما في قوله تعالى: * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) * (هود: 41) وقوله سبحانه وتعالى: * (قالوا أئذا
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»