تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٤٥
فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان وطلب لها تأويلات. وذكر أن الأمم مجمعة على أن النافخ فيه إسرافيل عليه السلام * (فجمعناهم) * أي الحلائق بعد ما تفرقت أوصالهم وتمزقت أجسادهم في صعيد واحد للحساب والجزاء * (جمعا) * أي جمعا عجيبا لا يكتنه كنهه.
* (وعرضنا جهنم يومئذ للك‍افرين عرضا) * * (وعرضنا جهنم) * اظهرناها وأبرزناها * (يومئذ) * أي يوم إذ جمعنا الخلائق كافة * (للكافرين) * منهم حيث جعلناها بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا * (عرضا) * أي عرضا فظيعا هائلا لا يقادر قدره. وتخصيص العرض بهم مع أنها بمرأى من أهل الجمع قاطبة لأن ذلك لأجلهم خاصة.
* (الذين كانت أعينهم فى غطآء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا) * * (الذين كانت أعينهم) * وهم في الدنيا * (في غطاء) * كثيف وغشاوة غليظة محاطة بذلك من جميع الجوانب * (عن ذكرى) * عن الآيات المؤدية لأولي الأبصار المتدبرين فيها إلى ذكرى بالتوحيد والتمجيد. فالذكر مجاز عن الآيات المذكورة من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب. وفيه أن من لم ينظر نظرا يؤدي به إلى ذكر التعظيم كأنه لا نظر له البتة وهذا فائدة التجوز.
وقيل: الكلام على حذف مضاف أي عن آيات ذكري وليس بذاك، ويجوز أن يكون المراد بالأعين البصائر القلبية. والمعنى كانت بصائرهم في غطاء عن أن يذكروني على وجه يليق بشأني أو عن ذكري الذي أنزلته على الأنبياء عليهم السلام، ويجوز أن يخص بالقرآن الكريم * (وكانوا) * مع ذلك * (لا يستطيعون سمعا) * نفى لسماعهم على أتم وجه ولذا عدل عن وكانوا صما الا خصر إليه. والمراد أنهم مع ذلك كفاقدي حاسة السمع بالكلية وهو مبالغة في تصوير إعراضهم عن سماع ما يرشدهم إلى ما ينفعهم بعد تصوير تعاميهم عن الآيات المشاهدة بالإبصار فلا حاجة إلى تقدير لذكري المراد منه القرآن أو مطلق الشرائع الإلهية فإنه بعد تخصيص الذكر المذكور في النظم الكريم أولا بالآيات المشاهدة لا يصير قرينة على هذا الحذف. قال ابن هشام في " المغني ": إن الدليل اللفظي لا بد من مطابقته للمحذوف معنى فلا يصح زيد ضارب وعمرو أي ضارب على أن الأول بمعناه المعروف والثاني بمعنى مسافر. وتقدير ذلك وإرادة معنى الآيات منه مجازا بعد المجاز أظهر، وقال بعض المحققين: إن تقدير ذلك إنما هو بقرينة قوله تعالى سمعا وأن الكافرين هذا حالهم لا بقرينة ذكر الذكر قبل ليجىء كلام ابن هشام، ولا يخفى أنه لا كلام في تقدير الذكر بمعنى القرآن أو الشرائع الإلهية إذا أريد من الذكر المذكور ذلك. والموصول نعت الكافرين أو بدل منه أو بيان جىء به لذمهم بما في حيز الصلة وللإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم من عرض جهنم لهم.
* (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادى من دونىأوليآء إنآ أعتدنا جهنم للك‍افرين نزلا) * * (أفحسب الذين كفروا) * أي كفروا بي كما يعرب عنه قوله تعالى: * (عبادي) * والحسبان بمعنى الظن، وقد قرأ عبد الله * (أفظن) * والهمزة للإنكار والتوبيخ على معنى إنكار الواقع واستقباحه. والفاء للعطف على مقدر يفصح عنه الصلة على توجيه الإنكار والتوبيخ وإلى المعطوفين جميعا على ما اختاره شيخ الإسلام. والمعنى أكفروا بي مع جلالة شأني فحسبوا * (أن يتخذوا عبادي) * من الملائكة وعيسى ونحوهم عليهم السلام من المقربين كما تشعر به الإضافة إن الأكثر أن تكون في مثل هذا اللفظ لتشريف المضاف. واقتصر قتادة في المراد من ذلك على الملائكة؛ والظاهر إرادة ما يعمهم وغيرهم ممن ذكرنا واختاره أبو حيان
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»