لبني اسرائيل من نتق الجبل والحجر الذي انفجرت منه العيون. وعد آخرون منها الآيات الظاهرة على أيدي الأنبياء عليه السلام وحملوا الإضافة على استغراق الأفراد. وبنى الفريقان ذلك على أنه عليه السلام قد حكى جميع ما ذكر لفرعون وتلك الحكاية في حكم الإظهار والإراءة لاستحالة الكذب عليه عليه السلام. ولا يخفى أن حكايته عليه السلام تلك الآيات مما لم يجر لها ذكر ههنا مع أن ما سيأتي إن شاء الله تعالى من حمل ما أظهره عليه السلام على السحر والتصدي للمعارضة بالمثل مما يبعد ذلك جدا. وأبعد من ذلك كله ادراج ما فصله عليه السلام من أفعاله تعالى الدالة على اختصاصه سبحانه بالربوبية وأحكامها في الآيات، وقيل: الإضافة لاستغراق الأنواع و * (كل) * تأكيد له أي أريناه أنواع آياتنا كلها، والمراد بالآيات المعجزات وأنواعها وهي كما قال السخاوي: ترجع إلى إيجاد معدوم أو اعدام موجود أو تغييره مع بقائه وقد أرى اللعين جميع ذلك في العصا واليد وفي الانحصار نظر ومع الاغماض عنه لا يخلو ذلك عن بعد، وزعمت الكشفية أن المراد من الآيات علي كرم الله تعالى وجهه أظهره الله تعالى لفرعون راكبا على فرس وذكروا من صفتها ما ذكروا. والجمع كما في قوله تعالى: * (آيات بينات مقام إبراهيم) * وظهور بطلانه يغني عن التعرض لرده.
والفاء في قوله تعالى: * (فكذب) * للتعقيب والمفعول محذوف أي فكذب الآيات أو موسى عليه السلام من غير تردد وتأخير * (وأبى) * أي قبول الآيات أو الحق أو الإيمان والطاعة أي امتنع عن ذلك غاية الامتناع وكان تكذيبه وإيائه عند الأكثرين جحودا واستكبارا وهو اوفق بالذم. ومن فسر أرينا بعرفنا وقدر مضافا أي صحة آياتنا وقال: إن التعريف يوجب حصول المعرفة قال بذلك لا محالة. [بم وقوله تعالى:
* (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى) * * (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) * استئناف مبين لكيفية تكذيبه وإبائه. والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه، وزعم أنه أمر محال والمجيء إما على حقيقته أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدي له أي أجيتنا من مكانك الذي كنت فيه بعد ما غبت عنا أو أقبلت علينا لتخرجنا من مصر بما أظهرته من السحر وهذا مما لا يصدر عن عاقل لكونه من باب محاولة المحال، وإنما قال ذلك ليحمل قومه على غاية المقت لموسى عليه السلام بإبراز أن مراده ليس مجرد إنجاء بني إسرائيل من أيديهم بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة إذ الإخراج من الوطن أخو القتل كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: * (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم) * (النساء: 66) وسمى ما أظهره الله تعالى من المعجزة الباهرة سحرا لتجسيرهم على المقابلة. ثم ادعى أنه يعارضه بمثله فقال:
* (فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) * * (فلنئتينك بسحر مثله) * والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام واقعة في جواب قسم محذوف كأنه قيل: إذا كان كذلك فوالله لناتينك بسحر مثل سحرك * (فاجعل بيننا وبينك موعدا) * أي وعدا على أنه مصدر ميمي وليس باسم زمان ولا مكان لأن الظاهر أن قوله تعالى: * (لا نخلفه) * صفة له والضمير المنصوب عائد إليه. ومتى كان زمانا أو مكانا لزم تعلق الاخلاف بالزمان أو المكان وهو إنما يتعلق بالوعد يقال: أخلف وعده لا زمان وعده ولا مكانه أي لا نخلف ذلك الوعد * (نحن ولا أنت) * وإنما فوض اللعين أمر الوعد إلى موسى عليه السلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب وضيق الحال وإظهار الجلادة