الترجي مجاز عن مطلق الطلب وهو راجع إليه عز وجل، والذي لا يصح منه سبحانه هو الترجي حقيقة، والمحققون على الأول، والفائدة في إرسالهما عليهما السلام إليه مع العلم بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة.
وزعم الإمام أنه لا يعلم سر الإرسال إليه مع علمه تعالى بامتناع حصول الإيمان منه إلا الله عز وجل ولا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم وترك الاعتراض.
واستدل بعض المتبعين لمن قال بنجاة فرعون بهذه الآية فقال: إن لعل كذا من الله تعالى واجب الوقوع فتدل الآية على أن أحد الأمرين التذكر والخشية واقع وهو مدار النجاة، وقد تقدم لك ما يعلم منه فساد هذا الاستدلال، ولا حاجة بنا إلى ما قيل من أنه تذكر وخشي لكن حيث لم ينفعه ذلك وهو حين الغرق بل لا يصح حمل التذكر والخشية هنا على ما يشمل التذكر والخشية اللذين زعم القائل حصولهما لفرعون فتذكر.
* (قالا ربنآ إننا نخاف أن يفرط علينآ أو أن يطغى) * * (قالا) * استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قالا حين أمرا بما أمرا؟ فقيل: * (قالا) * الخ، وأسند القول إليهما مع أن القائل هو موسى عليه السلام على القول بغيبة هارون عليه السلام للتغليب كما مر.
ويجوز أن يكون هارون عليه السلام قد قال ذلك بعد اجتماعه مع موسى عليه السلام فحكى قوله مع قول موسى عند نزول الآية كما في قوله تعالى: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) * فإن هذا الخطاب قد حكى لنا بصيغة الجمع مع أن كلا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد، وجوز كونهما مجتمعين عند الطور وقالا جميعا * (ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) * أي أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم، ومنه الفارط المتقدم للمورد والمنزل، وفرس فارط يسبق الخيل، وفاعل * (يفرط) * على هذا فرعون، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون التقدير أن يفرط علينا منه قول فاضمر القول كما تقول فرط مني قول وهو خلاف الظاهر.
وقرأ يحيى. وأبو نوفل. وابن محيصن في رواية * (يفرط) * بضم الياء وفتح الراء من أفرطته إذا حملته على العجلة أي نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار أو الخوف على الملك أو غيرهما على المعاجلة بالعقاب. وقرأت فرقة.
والزعفراني عن ابن محيصن * (يفرط) * بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية. واستشكل هذا القول مع قوله تعالى: * (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما) * (القصص: 35) فإنه مذكور قبل قولهما هذا بدلالة * (سنشد) * وقد دل على أنهما محفوظان من عقوبته وأذاه فكيف يخافان من ذلك. وأجيب: بأنه لا يتعين أن يكون المعنى لا يصلون بالعقوبة لجواز أن يراد لا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن التقدم غير معلوم ولو قدم في الحكاية لا سيما والواو لا تدل على ترتيب، والتفسير المذكور مأثور عن كثير من السلف منهم ابن عباس. ومجاهد وهو الذي يقتضيه الظاهر، وزعم الإمام أنهما قد أمنا وقوع ما يقطعهما عن الأداء بالدليل العقلي إلا أنهما طلبا بما ذكر ما يزيد في ثبات قلوبهما بأن ينضاف الدليل النقلي إلى الدليل العقلي وذلك نظير ما وقع لإبراهيم عليه السلام من قوله: * (رب أرني كيف تحيي الموتى) * (البقرة: 260) ولا يخفى أن في دعوى علمهما بالدليل العقلي عدم وقوع ما يقطعهما عن الأداء جثا. واستشكل أيضا حصول الخوف لموسى عليه السلام بأنه يمنع عن حصول شرح الصدر له الدال على تحققه قوله تعالى بعد سؤاله إياه * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * (طه: 36). وأجاب الإمام بأن شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق