تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٠١
واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما.
* (قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الص‍الحات أن لهم أجرا حسنا) * * (قيما) * أي مستقيما كما أخرجه ابن المنذر عن الضحاك وروى أيضا عن ابن عباس، والمراد مما قبل أنه لا خلل في لفظه ولا في معناه، والمراد من هذا أنه معتدل لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد ولا تفريط فيه بأهمال ما يحتاج إليه حتى يحتاج إلى كتاب آخر كما قال سبحانه: * (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * (الأنعام: 38) ولذا كان آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، وقيل المراد منه ما أريد مما قبله وذكره للتأكيد.
وقال الفراء: المراد قيما على سائر الكتب السماوية شاهدا بصحتها. وقال أبو مسلم: المراد قيما بمصالح العباد متكفلا بها وببيانها لهم لاشتماله على ما ينتظم به المعاش والمعاد وهو على هذين القولين تأسيس أيضا لا تأكيد فكأنه قيل كاتبا صادقا في نفسه مصدقا لغيره أو كتابا خاليا عن النقائض حاليا بالفضائل وقيل المراد على الأخير أنه كامل في نفسه ومكمل لغيره، ونصبه بمضمر أي جعله قيما على أن الجملة مستأنفة أو جعله قيما على أنها معطوفة على ما قبل إلا أنه قيل إن حذف حرف العطف مع المعطوف تكلف؛ وكان حفص يسكت على * (عوجا) * سكتة خفيفة ثم يقول * (قيما) *.
واختار غير واحد أنه على الحال من الضمير في * (له) * أي لم يجعل له عوجا حال كونه مستقيما ولا عوج فيه على ما سمعت أولا من معنى المستقيم إذ محصله أنه تعالى صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه خاليا عن الإفراط والتفريط، وكذا على القولين الأخيرين، نعم قيل: إن جعله حالا من الضمير مع تفسير المستقيم بالخالي عن العوج ركيك.
وتعقبه بعضهم بأنه تندفع الركاكة بالحمل على الحال المؤكدة كما في قوله تعالى: * (ثم وليتم مدبرين) * وفيه بحث، وجوز أن يكون حالا من الكتاب، واعترض بأنه يلزم حينئذ العطف قبل تمام الصلة لأن الحال بمنزلة جزء منها، وأجيب بأنه يجوز أن يجعل * (ولم يجعل) * الخ من تتمة الصلة الأولى على أنه عطف بياني حيث قال تعالى: * (أنزل على عبده الكاتب) * (الكهف: 1) الكامل في بابه عقبه بقوله سبحانه: * (ولم يجعل له عوجا) * (الكهف: 1) فحينئذ لا يكون الفصل قبل تمام الصلة، وهو نظير قوله تعالى: * (وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام) * (البقرة: 217) وعلى قول. وأيضا يجوز أن يكون الواو في * (ولم يجعل) * للحال والجملة بعده حال من * (الكتاب) * كقيما واختاره الأصبهاني.
وقال أبو حيان: إن ذاك على مذهب من يجوز وقوع حالين من ذي حال واحد بغير عطف وكثير من أصحابنا على منعه، وقال آخر: إن قياس قول الفارسي في الخبر أنه لا يتعدد مختلفا بالأفراد والجملية أن يكون الحال كذلك. وأجيب بأنه غير وارد إذ ما ذكره الفارسي خلاف مذهب الجمهور مع أنه قياس مع الفارق فلا يسمع، وكذا ما ذكره أبو حيان عن الكثير خلاف المعول عليه عند الأكثر، نعم فرارا من القيل والقال جعل بعضهم الواو للاعتراص والجملة اعتراضية، وفي الكلام تقديم وتأخير والأصل الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا، وروي القول بالتقديم والتأخير عن ابن عباس. ومجاهد، وذكر السمين أن ابن عباس حيث وقعت جملة معترضة في النظم يجعلها مقدمة من تأخير، ووجه ذلك بأنها وقعت بين لفظين مرتبطين فهي في قوة الخروج من بينهما، ولما كان * (قيما) * يفيد استقامة ذاتية أو ثابتة لكونه صفة مشبهة وصيغة مبالغة، وما من شيء كذلك إلا وقد يتوهم فيه أدنى عوج ذكر قوله تعالى: * (ولم يجعل) * الخ للاحتراس، وقدم للاهتمام كما في قوله:
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»