تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٠٢
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلا * ولا زال منهلا بجرعائك القطر ومن هنا يعلم أن تفسير القيم بالمستقيم بالمعنى المتبادر، وان قول الزمخشري فائدة الجمع بينه وبين نفي العوج التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح غير ذي عوج عند السبر والتصفح، وأنه لا يرد قول الإمام إن قوله تعالى: * (لم يجعل له عوجا) * يدل على كونه مكملا في ذاته، وقوله سبحانه: * (قيما) * يدل على كونه مكملا لغيره، فثبت بالبرهان العقلي أن الترتيب الصحيح كما ذكره الله تعالى وان ما ذكروه من التقديم والتأخير فاسد يمتنع العقل من الذهاب إليه انتهى.
ولعمري أن هذا الكلام لا ينبغي من الإمام إن صح عنده أن القول المذكور مروى عن ابن عباس ومجاهد، فإن الأول ترجمان القرآن وناهيك به جلالة ومعرفة بدقائق اللسان، وقد قيل في الثاني إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك، وقال صاحب حل العقد: يمكن أن يكون قيما بدلا من قوله تعالى: * (ولم يجعل له عوجا) * قال أبو حيان: ويكون حينئذ بدل مفرد من جملة كما قالوا في عرفت زيدا أبو من هو إنه بدل جملة من مفرد، وفي جواز ذلك خلاف، هذا وزعم بعضهم أن ضمير * (له) * عائد على * (عبده) * وحينئذ لا يتأتى جميع التخاريج الإعرابية السابقة، وقرأ أبان بن ثعلب * (قيما) * بكسر القاف وفتح الياء المخففة؛ وفي بعض مصاحف الصحابة * (ولم يجعل له عوجا لكنه قيما) * وحمل ذلك على أنه تفسير لا قراءة * (لينذر) * متعلق بانزل واللام للتعليل، واستدل به من قال بتعليل أفعال الله تعالى بالإغراض كالسلف والماتريدية، ومن يأبى ذلك بجعلها لام العاقبة، وزعم الحوفي أنه متعلق بقيما وليس بقيم، والفاعل ضمير الجلالة، وكذا في الفعلين المعطوفين عليه، وجوز أن يكون الفاعل في الكل ضمير الكتاب أو ضميره صلى الله عليه وسلم، وأنذر يتعدى لمفعولين قال تعالى: * (أنذرناكم عذابا قريبا) * وحذف هنا المفعول الأول واقتصر على الثاني، وهو قوله تعالى: * (بأسا شديدا) * إيذانا بأن ما سيق له الكلام هو المفعول الثاني، وأن الأول ظاهر لا حاجة إلى ذكره وهو الذين كفروا بقرينة ما بعد، والمراد الذين كفروا بالكتاب، والظاهر أن المراد من البأس الشديد عذاب الآخرة لا غير، وقيل يحتمل أن يندرج فيه عذاب الدنيا * (من لدنه) * أي صادرا من عنده تعالى نازلا من قبله بمقابلة كفرهم فالجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة ثانية للبأس، ولدن هنا بمعنى عند كما روي عن قتادة، وذكر الراغب أنه أخص منه لأنه يدل على ابتداء نهاية نحو أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يوضع موضع عند.
وقال بعضهم: إن * (لدن) * أبلغ من عند وأخص وفيه لغات، وقرأ أبو بكر عن عاصم باشمام الدال بمعنى تضعيف الصوت بالحركة الفاصلة بين الحرفين فيكون إخفاء لها وبكسر النون لالتفاء الساكنين وكسر الهاء للاتباع، ويفهم من كلام بعضهم أنه قرأ بالإسكان مع الاشمام بمعنى الإشارة إلى الحركة بضم الشفتين مع انفراج بينهما فاستشكل في الدر المصون. وغيره بأن هذا الاشمام إنما يتحقق في الوقف على الآخر وكونه في الوسط كما هنا لا يتصور، ولذا قيل: إنه يؤتى به هنا بعد الوقف على الهاء. ودفع الاعتراض بأنه لا يدل حينئذ على حركة الدال وقد علل به بأنه متعين إذ ليس في الكلمة ما يصلح أن يشار إلى حركته غيرها، ولا يخفى ما فيه، وما قدمناه حاسم لمادة الإشكال. وقرأ الجمهور بضم الدال والهاء وسكون النون إلا أن ابن كثير يصل الهاء بواو وغيره
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»