تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٩٩
أحد شكره تعالى ونعمه جل وعلا لا تحصى وآلاؤه لا تستقصى، هذا وقد تم بفضل الله تعالى تفسير هذه السورة الكريمة.
سورة الكهف ويقال سورة أصحاب الكهف كما في حديث أخرجه ابن مردويه، وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا أنها تدعى في التوراة الحائلة تحول بين قارئها وبين النار إلا أنه قال: إنه منكر وهي مكية كلها في المشهور واختاره الداني، وروى عن ابن عباس وابن الزبي رضي الله تعالى عنهما، وعدها بعضهم من السور التي نزلت جملة لما أخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت سورة الكهف جملة معها سبعون ألفا من الملائكة، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنها مكية إلا قوله تعالى: * (واصبر نفسك) * (الكهف: 28) الآية فمدني، وروى ذلك عن قتادة، وقال مقاتل: هي مكية إلا أولها إلى * (جرزا) * (الكهف: 8) وقوله تعالى: * (إن الذين آمنوا) * (الكهف: 30) إلى آخرها فمدني، وهي مائة وإحدى عشرة آية عند البصريين ومائة وعشرة عند الكوفيين ومائة وست عند الشاميين ومائة وخمس عند الحجازيين، ووجه مناسبة وضعها بعد الإسراء على ما قيل افتتاح تلك بالتسبيح وهذه بالتحميد وهما مقترنان في الميزان وسائر الكلام نحو * (فسبح بحمد ربك) * (الحجر: 98) فسبحان الله وبحمده وأيضا تشابه اختتام تلك وافتتاح هذه فإن في كل منهما حمدا، نعم فرق بينهما بأن الحمد الأول ظاهر في الحمد الذاتي والحمد المفتتح به في هذه يدل على الاستحقاق الغير الذاتي، وقال الجلال السيوطي في ذلك: إن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة أشياء عن الروح وعن قصة أصحاب الكهف وعن قصة ذي القرنين، وقد ذكر جواب السؤال الأول في آخر السورة الأولى وجواب السؤالين الآخرين في هذه فناسب اتصالهما، ولم تجمع الأجوبة الثلاثة في سورة لأنه لم يقع الجواب عن الأول بالبيان فناسب أن يذكر وحده في سورة، واختيرت سورة الإسراء لما بين الروح وبين الإسراء من المشاركة بأن كلا منهما مما لا يكاد تصل إلى حقيقته العقول، وقيل: إنما ذكر هناك لما أن الإسراء متضمن العروج إلى المحل الأرفع والروح متصفة بالهبوط من ذلك المحل ولذا قال ابن سينا فيها: هبطت إليك من المحل الأرفع * ورقاء ذات تعزز وتمنع ثم قال: ظهر لي وجه آخر وهو أنه تعالى لما قال في تلك * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسراء: 85) والخطاب لليهود استظهر على ذلك بقصة موسى نبي بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام التي كان سببها ذكر العلم والأعلم وماد لت عليه من كثرة معلومات الله تعالى التي لا تحصى فكانت هذه السورة كإقامة الدليل لما ذكر من الحكم في تلك السورة.
وقد ورد في الحديث أنه لما نزل * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسراء: 85) قال اليهود: قد أوتينا بالتوراة فيها علم كل شيء فنزل * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) * (الكهف: 109) الآية فتكون هذه السورة من هذه الجهة جوابا عن شبهة الخصوم فيما قرر في تلك، وأيضا لما قال سبحانه هناك * (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) * (الإسراء: 104) شرح ذلك هنا وبسطه بقوله سبحانه: * (فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء) * (الكهف: 98) إلى قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا) * (الكهف: 99، 100) اه‍، وللمناسبة أوجه أخر تظهر بأدنى تأمل، وأما فضلها فمشهور.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»