تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٩٧
للعبد حينئذ ولا شعور له بنفسه، وإنما تجب بالزوال وحدوث ظل وجود العبد سواء عند الاحتجاب بالخلق وهو حالة الفرق قبل الجمع أو عند البقاء وهو حالة الفرق بعد الجمع، وغسق الليل إشارة إلى غسق ليل النفس وقرآن الفجر إشارة إلى قرآن فجر القلب، وأدل الصلوات وألطفها صلاة المواصلة وأفضلها صلاة الشهود المشار إليها بصلاة العصر وأخفها صلاة السر المشار إليها بصلاة المغرب وأشدها تثبيتا للنفس صلاة النفس المشار إليها بصلاة العشاء وأزجرها للشيطان صلاة الحضور المشار إليها بالفجر * (إن قرآن الفجر كان مشهودا) * (الإسراء: 78) أي تشهده ملائكة الليل والنهار؛ وهذا إشارة إلى نزول صفات القلب وأنوارها وذهاب صفات النفس وزوالها، * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * أي زيادة على الفرائض الخمس خاصة بك قيل لكونه علامة مقام النفس فيجب تخصيصه بزيادة الطاعة لزيادة احتياج هذا المقام إلى الصلاة بالنسبة إلى سائر المقامات، وقيل إنما خص صلى الله عليه وسلم بالتهجد لأن الليل وقت خلوة المحب بالحبيب وهو عليه الصلاة والسلام الحبيب الأعظم، والخليل المكرم * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * (الإسراء: 79) وهو مقام الحاق الناقص بالكامل والكامل بالأكمل * (وقل ربي أدخلني) * حضرة الوحدة في عين الجمع * (مدخل صدق) * إدخالا مرضيا بلا آفة زيغ البصر إلى الالتفات إلى الغير أصلا؛ * (وأخرجني) * إلى فضاء الكثرة عند الرجوع إلى التفصيل بالوجود الموهوب الحقاني * (مخرج صدق) * سالما من آفة التلوين والانحراف عن جادة الاستقامة * (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) * (الإسراء: 80) حجة ناصرة بالتثبيت والتمكين * (وقل) * إذا زالت نقطة الغين عن العين * (جاء الحق) * أي ظهر الوجود الثابت وهو الوجود الواجبي * (وزهق الباطل) * (الإسراء: 81) وهو الوجود الإمكاني، ففي الحديث الصحيح أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
إلا كل شيء ما خلا الله باطل ويقال الحق العلم والباطل الجهل والحق ما بدا من الإلهام والباطل هو أجس النفس ووساوس الشيطان.
وقال فارس: كا ما يحملك على سلوك سبيل الحقيقة فهو حق وكل ما يحجبك ويفرق عليك وقتك فهو باطل * (وننزل من القرآن ما هو شفاء) * من أمراض الصفات الذميمة * (ورحمة للمؤمنين) * بالغيب يفيدهم الكمالات والفضائل العظيمة فالأول إشارة إلى التخلية والثاني إلى التحلية، ويقال هو شفاء من داء الشك لضعفاء المؤمنين ومن داء النكرة للعارفين ومن وجع الاشتياق للمحبين ومن داء القنوط للمريدين والقاصدين، وأنشدوا: وكتبك حولي لا تفارق مضجعي * وفيها شفاء للذي أنا كاتم * (ولا يزيد الظالمين) * الباخسين حظوظهم من الكمال بالميل إلى الشهوات النفسانية * (إلا خسارا) * (الإسراء: 82) بزيادة ظهور أنفسهم بصفاتها من إنكار ونحوه * (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونآى بجانبه) * فاحتجب بالنعمة عن المنعم ولم يشكر * (وإذا مسه الشركان يؤسا) * (الإسراء: 83) لجهله بعظيم قدرة الله تعالى ولم يصبر * (قل كل يعمل على شاكلته) * (الإسراء: 84) على طريقته التي تشاكل استعداده وكل اناء بالذي فيه يرشح * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) * أي من عالم الإبداع وهو عالم الذوات المقدسة عن الشكل واللون والجهة والاين فلا يمكن إدراك المحجوبين لها * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسراء: 85) وهو علم المحسوسات * (من يهد الله) * بنوره بمقتضى العناية الأزلية * (فهو المهتد) * دون غيره * (ومن يضلل) * بمنع ذلك النور عنه * (فلن تجد لهم أولياء) * ن دونه تعالى يهدونه أو يحفظونه من قهره عز وجل * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) * لانجذابهم إلى الجهة السفلية * (عميا وبكما وصما) * (الإسراء: 97) لأنها أحوال تناسب أحوالهم في الدنيا * (إن الذين أوتوا
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»