بحيث لا يسمعه المتكلم، ومن هنا قال ابن مسعود كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة. وابن جرير: لم يخافت من اسمه أذنيه، وخفت وهو من باب ضرب وخافت بمعنى يقال خفت يخفت خفتا وخفوتا وخافت مخافتة إذا أسر وأخفى، والتعبير عن الأمر الوسط بالسبيل باعتبار أنه مر يتوجه إليه المتوجهون ويؤمه المقتدون ويوصلهم إلى المطلوب، وقد جاء عن عبد الله بن الشخير وأبي قلابة خير الأمور أوساطها، والآية على ما يقتضيه كلام الأكثرين محكمة، وقيل منسوخة بناء على ما أخرجه ابن مردويه وابن أبي حاتم عن ابن عباس من أنه صلى الله عليه وسلم أمر بمكة بالتوسط بأن لا يجهر جهرا شديدا ولا يخفض حتى لا يسمع أذنيه فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك، وقيل هي منسوخة بقوله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * وهو كما ترى، ولا يخفى عليك حكم رفع الصوت بالقراءة فوق الحاجة وحكم المخافتة بالمعنى الذي سمعته المسطوران في كتب الفقه فراجعها إن لم يكن ذلك على ذمر منك، وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي رزين قال قرأ عبد الله * (ولا تخافت بصوتك ولا تعال به) *.
* (وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا) * * (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) * رد على اليهود والنصارى وبني مليح حيث قالوا: عزير ابن الله والمسيح ابن الله تعالى والملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، ونفى اتخاذ الولد ظاهر في نفي التبني ويعلم منه نفي أن يكون له سبحانه ولدا لصلب من باب أولى، وقد نفى ذلك صريحا في قوله تعالى * (لم يلد) * * (ولم يكن له شريك في الملك) * ظاهره أنه رد على الثنوية وهم المشركون في الربوبية، ويجوز أن يكون كناية عن نفي الشركة في الألوهية فيكون ردا على الوثنية * (ولم يكن له ولي من الذل) * أي ناصر ومانع له سبحانه من الذل لاعتزازه تعالى بنفسه فمن صلة لولي وضمن معنى المنع والنصر أو لم يوال تعالى أحدا من أجل مذلة فالولاية بمعنى المحبة على أصلها ومن تعليلية، وليس المعنى على الوجهين ففي الذل والنص في الأول والموالاة والذل في الثاني على أسلوب - لا يهتدي بمناره - بل المراد أنه تعلى إذا اتخذ عبدا له وليا فذلك محض الاصطناع في شأن العبد لا أن هناك حاجة، وكذلك نصر الله تعالى كمال للناصر لا إن ثمة حاجة ألا ترى إلى قوله سبحانه: * (إن تنصروا الله ينصركم) * (محمد: 7) وإلى هذا ذهب " صاحب الكشف " وهو حسن، وجعل ذلك على الوجهين الفاضل الطيبي من ذاك الأسلوب، وفي " الحواشي الشهابية " في بيان ثاني الوجهين أن المراد نفى أن يكون له تعالى مولى يلتجىء هو سبحانه إليه، وأما الولي الذي يوصف به المؤمن فليس الولاية فيه بهذا المعنى بل بمعنى من يتولى أمره لمحبته له تفضلا منه عز وجل ورحمة فغاير بين الولايتين، ولعل الحق مع صاحب " الكشف "، ومن عجيب ما قيل إن * (من الذل) * في موضع الصفة لولي ومن فيه للتبعيض وأن الكلام على حذف مضاف أي لم يكن له ولي من أهل الذل والمراد بهم اليهود والنصارى، ولعمري أنه لا ينبغي أن يلتفت إليه.
وربما يتوهم أن المقام مقام التنزيه لا مقام الحمد لأنه يكون على الفعل الاختياري وبه وما ذكر من الصفات العدمية ويدفع بأنه لاق وصفه تعالى بما ذكر بكلمة التحميد لأنه يدل على نفي الإمكان المقتضي للاحتياج وإثات أنه تعالى الواجب الوجود لذاته الغني عما سواه المحتاج إليه ما عداه فهو الجواد المعطي لكل قابل ما يستحق فهو تعالى المستحق للحمد دون غيره عز وجل، وهذا الذي عناه الزمخشري وقال في " الكشف ": لك أن تخذ نفي هذه الصفات وهي ذرائع منع المعروف أما الولد فلأنه مبخلة، وأما الشريك فلأنه مانع من التصرف كيف يشاء، وأما الاحتياج إلى من يعتز به أو يذب عنه فاظهر رديفا لإثبات أضادها على سبيل