لا يتوقف على تسليم التخيير، ثم إنه لا مانع من إرادته بل أي تقتضيه لأنها لأحد الشيئين فإذا قلت لأحد: أي الأمرين تفعل فافعل لم تأمره بفعلهما بل بفعل أحدهما وأما الدلالة على جواز الجمع فمن خارج النظم ودلالة العقل لأنهما إذا لم يتنافيا جاز الجمع بينهما، ومن هنا تعلم أنه لا حاجة إلى حمل التخيير في كلام من عبر به على غير الاصطلاح المشهور الذي هو اصطلاح النحاة فيه إذا قوبل بالإباحة بأن يقال: مراده به التسوية بين الاسمين في الدلالة على ذات واحدة وسواء فيه الإفراد والجمع، قال في التلويح: وفي التخيير قد يجوز الجمع بحكم الإباحة الأصلية وهذا يسمى التخيير على سبيل الإباحة اه. والظاهر أن الحق مع مانع الأجوبية والقائل بالإباحة فتدبر، والدعاء على ما اختاره أبو حيان وجماعة بمعنى النداء، وقال الزمخشري: هو بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وهو يتعدى إلى مفعولين تقول دعوته زيدا ثم يترك أحدهما استغناء عنه فتقول دعوت زيدا، والأصل على ما قيل أن يتعدى إلى الثاني بالباء لكنه يتسع فيحذف الباء والمفعول الآخر هنا محذوف أي سموه بهذا الاسم أو بهذا الاسم وكذا يقال في الدعاء الثاني، وعلل ذلك بأنه لو حمل على الحقيقة المشهورة يلزم إما الاشتراك أن تغاير مدلولا الاسمين أو عطف الشيء على نفسه بأو وهو إنما يجوز بالواو أن اتحدا، وبحث فيه بأنا نختار الثاني ولا يلزم ما ذكر لأنه قصد اللفظ كما تقول نادى النبي صلى الله عليه وسلم بمحمد أو بأحمد مع أن اختلاف مفهوميهما يكفي لصحته، وما روي في سبب النزول أولا ينادي على ما قيل على إرادة النداء، وقيل إن كانت الآية ردا على المشركين فهو بمعنى التسمية وإن كانت ردا على اليهود فهو بمعنى النداء وجعل الطيبي لذلك تفسير الزمخشري إياه بالتسمية مؤذنا بميله إلى أنها رد على المشركين وفي ذلك تأمل، و * (أيا) * اسم شرط جازم منصوب بتدعوا وجازم له فهو عامل ومعمول من جهتين والتنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف والتقدير أي هذين الاسمين وما حرف مزيد للتأكيد، وقيل إنها اسم شرط مؤكد به. وقرأ طلحة بن مصرف * (من) * بدل ما وخرج على زيادتها على مذهب الكسائي أو جعلها أداة شرط والجمع بين أداتي الشرط كالجمع بين حرفي الجر في قوله: فأصبحن لا يسألنني عن بما به شاذ، وجملة * (فله الأسماء الحسنى) * واقعة موقع جواب الشرط وهي في الحقيقة تعليل له، وكأن أصل الكلام أياما تدعوه به فهو حسن لأن له سبحانه الأسماء الحسنى اللاتي منها هذان، وفي العدول عن حق الجواب إقامة الشيء بدليله وفيه مبالغة لا تخفى، وهذا التقدير ظاهر على القول الثاني في سبب النزول ويقدر على القول الأول فيه فمدلوله واحد ونحوه، ولا حاجة إلى ذلك بل يقدر على القولين فهو حسن على ما سمعت عن صاحب الكشف.
وقال الطيبي وقد حمل أو على الإباحة وجعل الخطاب للمشركين: التقدير قل سموا ذاته المقدسة بالله وبالرحمن فهما سيان في استصواب التسمية بهما فبأيهما سميته فأنت مصيب وإن سميته بهما جميعا فأنت أصوب لأن له الأسماء الحسنى وقد أمرنا سبحانه بأن ندعوه بها في قوله تعالى: * (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) * فجواب الشرط الأول قولنا فأنت مصيب ودل على الشرط الثاني وجوابه قوله تعالى: * (فله الأسماء الحسنى) * والآية على هذا فن من فنون الإيجاز الذي هو من حلية التنزيل، وعلى تقدير فهو حسن حسبما سمعت أولا من باب الإطناب اه وهو كما ترى.
ونقل في " البحر " أن منهم من وقف على * (أيا) * على معنى أي اللفظين تدعوه به جاز ثم استأنف فقال ما تدعوا