وقال ابن مالك: تصرفها نادر، ومن وقوعها مجردة عن الظرفية قوله:
إن حيث استقر من أنت راعيه * حمى فيه عزة وأمان فحيث اسم إن، وقال أبو حيان: إنه غلط لأن كونها اسم إن فرع عن كونها تكون مبتدأ ولم يسمع في ذلك البتة بل اسم إن في البيت - حمى - و - حيث - الخبر لأنه ظرف، والصحيح أنها لا تتصرف فلا تكون فاعلا ولا مفعولا به ولا مبتدأ اه، ونقل ابن هشام وقوعها مفعولا به عن الفارسي، وخرج عليه قوله تعالى: * (الله أعلم حيث يجعل رسالته) * وذكر أنها قد تخفض بمن وبغيرها وأنها لا تقع اسما لأن خلافا لابن ماكل، وزعم الزجاج أنها اسم موصول، ومما ذكرنا يظهر حال التصرف فيها، واعترض ما ذكره المجيب بأنه وإن رفع به إشكال التعدي لكنه غير صحيح لأنهم قد صرحوا بأن الجمل المضاف إليها لا يعود منها ضمير إلى المضاف، قال نجم الأئمة: اعلم أن الظرف المضاف إلى الجملة لما كان ظرفا للمصدر الذي تضمنته الجملة لم يجز أن يعود من الجملة ضمير إليه فلا يقال: يوم قدم زيد فيه لأن الربط الذي يطلب حصوله حصل بإضافة الظرف إلى الجملة وجعله ظرفا لمضمونها فيكون كأنك قلت: يوم قدوم زيد فيه اه، و * (حيث) * على ما ذكروا تلزم في الغالب الإضافة إلى الجملة وكونها فعلية أكثر وإضافتها إلى مفرد قليلة نحو:
بيض المواضي حيث لي العمائم وحيث سهيل طالعا، ولا يقاس على ذلك عند غير الكسائي، وأقل من ذلك عدم إضافتها لفظا بأن تضاف إلى محذوفة معوضا عنها ما كقوله: إذا ريدة من حيث ما نفحت له أي من حيث هبت وهي هنا مضافة للجملة بعدها فكيف يقدر الضمير في * (يؤمرون) * عائدا عليها، وقد نص بعضهم على أن * (حيث) * لا يصح عود الضمير عليها والذي في " البحر " أنها ظرف مكان مبهم تعدى إليها * (امضوا) * بنفسه كما تقول: قعدت حيث قعد زيد، والظاهر أن تعلق الفعل بها كما قال المجيب ليس تعلق الظرفية فلعل ذلك مبني على تضمين فعل صالح لأن يتعلق به الظرف المذكور كالحلول والتوطن وغيرهما.
ونقل عن بعضهم القول بأن * (حيث) * هنا ظرف زمان أي امضوا حين أمرتم، والمراد بهذا الأمر ما سبق من قوله تعالى: * (فأسر بأهلك بقطع من الليل) * ورد بأن الظاهر على هذا أمرتم دون * (تؤمرون) * مع أن فيه استعمال * (حيث) * في أقل معنييها ورودا من غير موجب، وظاهر كلام بعض الأجلة أن المضارع مستعمل في مقام الماضي على المعنى الذي أشير إليه أولا وهو يقتضي تقدم أمر بالمضي إلى مكان فإن كان فصيغة المضارع لاستحضار الصورة، وإيثار المضي إلى ذلك على ما قيل دون الوصول إليه واللحوق به للإيذان بأهمية النجاة ولمراعاة لمناسبة بينه وبين ما سلف من الغابرين.
* (وقضينآ إليه ذلك الامر أن دابر هاؤلآء مقطوع مصبحين) * .
* (وقضينا) * أي أوحينا * (إليه ذلك الأمر) * مقضيا مثبتا فقضى مضمن معنى أوحى ولذا عدى تعديته، وجعل المضمن حالا كما أشرنا إليه أحد الوجهين المشهورين في التضمين وذلك مبهم يفسره * (أن دابر هؤلاء مقطوع) * على أنه بدل منه كما قال الأخفش، وجوز أبو البقاء كونه بدلا من الأمر إذا جعل بيانا لذلك لا بدلا، وعن الفراء أن ذاك على إسقاط الباء أي بأن دابر الخ، ولعل المشار إليه بذلك الأمر عليه الأمر الذي تضمنه قوله تعالى: * (وامضوا حيث تؤمرون) * والباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال أي أوحينا ذلك الأمر المتعلق بنجاته ونجاة آله ملابسا لبيان حال قومه المجرمين من قطع دابرهم، وهو حسن إلا أنه لا يخلو عن بعد، وقرأ زيد بن علي، والأعمش رحمهم الله تعالى * (إن) * بكسر الهمزة وخرج على الاستئناف البياني كأنه قيل: ما ذلك الأمر؟ فقيل في جوابه: إن دابر الخ أو على البدلية بناء على أن في