تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٧٣
قليلا، وذكر أنه إذا تجرد من اللام لا يتعين للقسم، ونقل ذلك عن الجوهري، وقال ابن يعيش: لا يستعمل إلا فيه أيضا وجاء شاذار عملي وعدوه من القلب، وقال أبو الهيثم: معنى * (لعمرك) * لدينك الذي تعمل ويفسر بالعبادة، وأنشد:
أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان أراد عبادتك الله تعالى فإنه يقال - على ما نقل عن ابن الأعرابي - عمرت ربي أي عبدته، وفلان عامر لربه أي عابد، وتركت فلانا يعمر ربه أي يعبده وعهو غريب. وفي البيت توجيهات فقال سيبويه فيه: الأصل عمرتك الله تعالى تعميرا فحذف الزوائد من المصدر وأقيم مقام الفعل مضافا إلى مفعوله الأول، ومعنى عمرتك أعطيتك عمرا بأن سألت الله تعالى أن يعمرك فلما ضمن عمر معنى السؤال تعدى إلى المفعول الثاني - أعني الاسم الجليل - فهو على هذا منصوب، وأجاز الأخفش رفعه ليكون فاعلا أي عمرك الله سبحانه تعميرا، وجوز الرضى أن يكون - عمرك - فيه منصوبا على المفعول به لفعل محذوف أي أسأل الله تعالى عمرك وأسأل متعد إلى مفعولين، أو يكون المعنى أسألك بحق تعميرك الله تعالى أي اعتقادك بقاءه وأبديته تعالى فيكون انتصابه بحذف حرف القسم نحو الله لا فعلن، وهو مصدر محذوف الزوائد مضاف إلى الفاعل والاسم الجليل مفعول به له، ولا بأس بإضافة - عمر - إليه تعالى، وقد جاء مضافا كذلك قال الشاعر: إذا رضيت على بنو قشير * لعمر الله أعجبني رضاها وقال الأعشى: ولعمر من جعل الشهور علامة * منها تبين نقصها وكمالها وزعم بعضهم أنه لا يجوز أن يقال: لعمر الله تعالى لأنه سبحانه أزلى أبدى، وكأنه توهم أن العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع وليس كذلك، وجاء في كلامهم إضافته لضمير المتكلم، قال النابغة: لعمري وما عمري على بهين وكره النخعي ذلك لأنه حلف بحياة المقسم، ولا أعرف وجه التخصيص فإن في * (لعمرك) * خطابا بالشخص حلفا بحيلة المخاطب وحكم الحلف بغير الله تعالى مقرر على أتم وجه في محله.
وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما و * (عمرك) * بدون لام * (إنهم لفي سكرتهم) * أي لفى غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم * (يعمهون) * يتحيرون فكيف يسمعون النصح، وأصل العمة عمى البصيرة وهو مورث للحيرة وبهذا الاعتبار فسر بذلك، والضمائر لأهل المديسنة، والتعبير بالمضارع بناء على المأثور في الخطاب لحكاية الحال الماضية، وقيل: ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الضمائر لقريش، واستبعده ابن عطية وغيره لعدم مناسبة السباق والسياق، ومن هنا قيل: الجملة اعتراض وجملة * (يعمهون) * حال من الضمير في الجار والمجرور، وجوز أن تكون حالا من الضمير المجرور في * (سكرتهم) * والعامل السكرة أو معنى الإضافة، ولا يخفاك حاله، وقرأ الأشهب * (سكرتهم) * بضم السين، وابن أبي عبلة * (سكراتهم) * بالجمع، والأعمش * (سكرهم) * بغير تاء، وأبو عمر وفي رواية الجهضمي * (أنهم) * بفتح الهمزة، وقال أبو البقاء: وذلك على تقدير زيادة اللام، ومثله قراءة سعيد بن جبير * (إلا انهم ليأكلون الطعام) * (المؤمنون: 33) بالفتح بناء على أن لام الابتداء إنما تصحب إن المكسورة الهمزة وكأن التقدير على هذه القراءة لعمرك قسمي على أنهم فافهم.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»