تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٥٠
المرحول إليه، والنخبة بمعنى المنتخب من أمه إذا قصده أو اقتدى به أي كان مأموما أو مؤتما به فإن الناس كانوا يقصدونه للاستفادة ويقتدون بسيرته.
وقال ابن الأنباري: هذا مثل قول العرب: فلان رحمة وعلامة ونسابة يقصدون بالتأنيث التناهي في المعنى الموصوف به. وإيراد ذكره عليه السلام عقيب تزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن في النبوة وتحريم ما أحل الله تعالى للإيذان بأن حقية دين الإسلام وبطلان الشرك وفروعه أمر ثابت لا ريب فيه. وفي ذلك أيضا رد لقريش حيث يزعمون أنهم على دينه، وقيل: إنه تعالى لما بين حال المشركين وأجرى ذكر اليهود بين طريقة إبراهيم عليه السلام ليظهر الفرق بين حاله وحال المشركين وحال اليهود * (قانتا لله) * مطيعا له سبحانه قائما بأمره تعالى * (حنيفا) * مائلا عن كل دين باطل إلى الدين الحق غير زائل عنه.
* (ولم يك من المشركين) * في أمر من أمور دينهم أصلا وفرعا، صرح بذلك مع ظهوره قيل: ردا على كفار قريش في قولهم: نحن على ملة أبينا إبراهيم، وقيل: لذلك وللرد على اليهود المشركين بقولهم: * (عزير بن الله) * في افترائهم وزعمهم أنه عليه السلام كان على ما هم عليه كقوله تعالى: * (ما كان إبراهيم يهويدا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) * (آل عمران: 67) إذ به ينتظم أمر إيراد التحريم والسبت سابقا ولاحقا.
* (شاكرا لانعمه اجتب‍اه وهداه إلى صراط مستقيم) * .
* (شاكرا لأنعمه) * صفة ثالثة لأمة - والجار والمجرور متعلق - بشاكرا - كما هو الظاهر، وأوثر صيغة جمع القلة قيل: للإيذان بأنه عليه السلام لا يخل بشكر النعمة القليلة فكيف بالكثيرة وللتصريح بأنه عليه السلام على خلاف ما هم عليه من الكفران بأنعم الله تعالى حسبما أشير إليه بضرب المثل، وقيل: إن جمع القلة هنا مستعار لجمع الكثرة ولا حاجة إليه.
وفي بعض الآثار أنه عليه السلام كان لا يتغدى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفا فأخر غداءه فإذا هو بفوج من الملائكة عليهم السلام في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا أن بهم جذاما فقال: الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله تعالى على أنه عافاني مما ابتلاكم به، وجوز أبو البقاء كون الجار والمجرور متعلقا بقوله تعالى: * (اجتباه) * وهو خلاف الظاهر. وجعل بعضهم متعلق هذا محذوفا أي اختاره واصطفاه للنبوة، وأصل الاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء، ويطلق على تخصيص الله تعالى العبد بفيض إلهي يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي منه ويكون للأنبياء عليهم السلام ومن يقاربهم * (وهدي‍اه إلى صراط مستقيم) * موصل إليه تعالى وهو ملة الإسلام وليست نتيجة هذه الهداية - كما في إرشاد العقل السليم - مجرد اهتدائه عليه السلام بل مع إرشاد الخلق أيضا إلى ذلك والدعوة إليه بمعنوة قرينة الاجتباء.
وجوز بعضهم كون * (إلى صراط) * متعلقا - باجتباه وهداه - على التنازع، والجملة إما حال بتقدير قد على المشهور وإما خبر ثان لإن، وجوز أبو البقاء الاستئناف أيضا.
* (وءاتين‍اه فى الدنيا حسنة وإنه فى الاخرة لمن الص‍الحين) * .
* (وءاتين‍اه في الدنيا حسنة) * بأن حببه إلى الناس حتى أن جميع أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه عليه السلام حسبما سأل بقوله: * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * (الشعراء: 84) وروي هذا عن قتادة. وغيره، وعن الحسن الحسنة النبوة، وقيل: الأولاد الأبرار على الكبر وقيل: المال يصرفه في وجوه الخير والبر، وقيل: العمر الطويل في السعة والطاعة - فحسنة - على الأول
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»