على اختلافهم جميعهم على نبيهم ومخالفتهم له فيما جاءهم به، وقد فسر بذلك على التفسير المأثور عن ترجمان القرآن، ومنهم من فسره عليه بما فسر به على التفسير المروى عن قتادة فيرد عليه أيضا ما ذكر مع ما في ضمنه من القول باختلاف الاختلافين بمعنى، والظاهر اتحادهما. وأجاب بعضهم عن الاعتراض بمنع حكم كلمة * (بينهم) * بما تقدم فتأمل، وتفسير السبت باليوم المخصوص هو الظاهر الذي ذهب إليه الكثير، وجوز كونه مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها، قيل: ويجوز على هذا أن يكون في الآية استخدام.
* (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * .
* (ادع) * أي من بعثت إليهم من الأمة قاطبة فحذف المفعول دلالة على التعميم، وجوز أن يكون المراد إفعل الدعوة تنزيلا له منزلة اللازم للقصد إلى إيجاد نفس الفعل إشعارا بأن عموم الدعوة غني عن البيان وإنما المقصود الأمر بإيجادها على وجه مخصوص. وتعقب بأن ذلك لا يناسب المقام كما لا يناسب قوله تعالى: * (وجادلهم) *.
* (إلى سبيل ربك) * إلى الإسلام الذي عبر عنه تارة بالصراط المستقيم وأخرى بملة إبراهيم عليه السلام، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
* (بالحكمة) * بالمقالة المحكمة وهي الحجة القطعية المزيحة للشبه؛ وقريب من هذا ما في " البحر " أنها الكلام الصواب الواقع من النفس أجمع موقع * (والموعظة الحسنة) * وهي الخطابات المنقعة والعبر النافعة التي لا يخفى عليهم إنك تناصحهم بها * (وجادلهم) * ناظر معانديهم * (بالتي هي أحسن) * بالطريقة التي هي أحسن طرق المناظرة والمجادلة من الرفق واللين واختيار الوجه الأيسر واستعمال المقدمات المشهورة تسكينا لشغبهم وإطفاء للهبهم كما فعله الخليل عليه السلام. واستدل - كما قيل - أرباب المعقول بالآية على أن المعتبر في الدعوة من بين الصناعات الخمس إنما هو البرهان والخطابة والجدل حيث اقتصر في الآية على ما يضير إليها، وإنما تفاوتت طرق دعوته عليه الصلاة والسلام لتفاوت مراتب الناس، فمنهم خواص وهم أصحاب نفوس مشرقة قوية الاستعداد لإدراك المعاني قوية الانجذاب إلى المبادىء العالية مائلة إلى تحصيل اليقين على اختلاف مراتبه وهؤلاء يدعون بالحكمة بالمعنى السابق.
ومنهم عوام أصحاب نفوس كدرة ضعيفة الاستعداد شديدة الألف بالمحسوسات قوية التعلق بالرسوم والعادات قاصرة عن درجة البرهان لكن لا عناد عندهم وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة بالمعنى المتقدم. ومنهم من يعاند ويجادل بالباطل ليدحض به الحق لما غلب عليه من تقليد الأسلاف ورسخ فيه من العقائد الباطلة فصار بحيث لا تنفعه المواعظ والعبر بل لا بد من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدال لتلين عريكته وتزول شكيمته وهؤلاء الذين أمر صلى الله عليه وسلم بجدالهم بالتي هي أحسن، وإنما لم تعتبر المغالطة والشعر لأن فائدة المغالطة تغليط الخصم والاحتراز عن تغليطه إياه ومرتبة الرسول عليه الصلاة والسلام تنافي أن يغلط وتتعالى أن يغلط، والشعر وإن كان مفيدا للخواص والعوام فإن الناس في باب الإقدام والإحجام أطوع للتخييل منهم للتصديق إلا أن مداره على الكذب ومن ثمة قيل: الشعر أكذبه أعذبه فلا يليق بالصادق المصدوق كما يشهد به قوله تعالى: * (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) * (يس: 69) لا يقال: الشعر الذي هو أحد الصناعات قياس مؤلف من مقدمات مخيلة والشعر الذي مداره على الكذب هو الكلام الموزون المقفى وهو الذي نفى تعليمه عنه صلى الله عليه وسلم لما قيل: كون الشعر مذموما ليس لكونه كلاما موزونا مقفى بل لاشتماله على تخيلات كاذبة فهما من واد واحد ذكر ذلك بعض المتأخرين، وقد ذهب