تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٣٩
الهداية المنفية بهداية القسر أي لا يهدي هداية قسر وإلجاء ونسب إلى المعتزلة * (القوم الكافرين) * أي في علمه تعالى المحيط فلا يعصمهم تعالى عن الزيغ وما يؤدي إليه من الغضب والعذاب، ولولا أحد الأمرين إما إيثار الحياة الدنيا على الآخرة وإما عدم هداية الله تعالى إياهم بأن آثروا الآخرة على الدنيا أو بأن هداهم الله سبحانه لما كان ذلك لكن كلاهما لا يكون لأنه خلاف ما في العلم بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر وقال البعض: لكن الثاني مخالف للحكمة والأول مما لا يدخل تحت الوقوع [بم وإليه الإشارة بقوله سبحانه:
* (أول‍ائك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبص‍ارهم وأول‍ائك هم الغ‍افلون) *.
* (أول‍ائك) * أي الموصوفون بما ذكر * (الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم) * فلم تفتح لإدراك الحق واكتساب ما يوصل إليه، واستظهر أبو حيان كون ذلك إشارة إلى ما استحقوه من الغضب والعذاب، وقال: إن قوله تعالى استحبوا إشارة إلى الكسب * (وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) * (المائدة: 67) إشارة إلى الاختراع فجمعت الآية الأمرين وذلك عقيدة أهل السنة فافهم، وقد تقدم للكلام على الطبع * (وأول‍ائك هم الغافلون) * أي الكاملون في الغفلة إذ لا غفلة أعظم من الغفلة عن تدبر العواقب والنظر في المصالح، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: غافلون عما يراد منهم في الآخرة.
* (لا جرم أنهم فى الاخرة هم الخ‍اسرون) * .
* (لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) * إذ ضيعوا رؤوس أموالهم وهي أعمارهم وصرفوها فيما لا يفضي إلا إلى العذاب المخلد ولله تعالى من قال: إذا كان رأس المال عمرك فاحترس * عليه من الإنفاق في غير واجب ووقع في آية أخرى * (الأخسرون) * وذلك لاقتضاء المقام على ما لا يخفى على الناظر فيه أو لأنه وقع في الفواصل هنا اعتماد الألف كالكافرين والغافلين فعبر به لرعاية ذلك وهو أمر سهل، وتقدم الكلام في * (لا جرم) * فتذكره فما في العهد من قدم.
* (ثم إن ربك للذين ه‍اجروا من بعد ما فتنوا ثم ج‍اهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) * .
* (ثم إن ربك للذين هاجروا) * إلى دار الإسلام وهم عمار. وأضرابه أي لهم بالولاية والنصر لا عليهم كما يقتضيه ظاهر أعمالهم السابقة فالجار والمجرور في موضع الخبر لإن، وجوز أن يكون خبرها محذوفا لدلالة خبر إن الثانية عليه، والجار والمجرور متعلق بذلك المحذوف، وقال أبو البقاء: الخبر هو الآتي وإن الثانية واسمها تكرير للتأكيد ولا تطلب خبرا من حيث الإعراب، والجار والمجرور متعلق بأحد المرفوعين على الأعمال، وقيل: بمحذوف على جهة البيان كأنه قيل: أعني للذين أي الغفران وليس بشيء، وقيل: لا خبر لأن هذه في اللفظ لأن خبر الثانية أغنى عنه وليس بجيد كما لا يخفى و * (ثم) * للدلالة على تباعد رتبة حالهم هذه عن رتبة حالهم التي يفيدها الاستثناء من مجرد الخروج عن حكم الغضب والعذاب لا عن رتبة حال الكفرة * (من بعد ما فتنوا) * أي عذبوا على الارتداد، وأصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ثم تجوز به عن البلاء وتعذيب الإنسان. وقرأ ابن عامر * (فتنوا) * مبنيا للفاعل، وهو ضمير المشركين عند غير واحد أي عذبوا المؤمنين كالحضرمي أكره مولاه جبرا حتى ارتد ثم أسلما وهاجرا أو وقعوا في الفتينة فإن فتن جاء متعديا ولازما وتستعمل الفتنة فيما يحصل عنه العذاب.
وقال أبو حيان: الظاهر أن الضمير عائد على * (الذين هارجوا) * والمعنى فتنوا أنفسهم بما أعطوا المشركين من القول كما فعل عمار أو كانوا صابرين على الإسلام وعذبوا بسبب ذلك صاروا كأنهم عذبوا أنفسهم * (ثم جاهدوا) * الكفار * (وصبروا) * على مشاق الجهاد أو على ما أصابهم من المشاق مطلقا * (إن ربك من بعدها) * أي المذكورات من الفتنة والهجرة
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»