مع جعل خطاب الأمر السابق للمؤمنين بعيد أيضا لكن دون ذلك. وادعى أبو حيان أن الظاهر أن خطاب النهي كخطاب الأمر للمكلفين كلهم، ونقل كون خطاب للنهي لهم عن العسكري، وكونه للكفار عن الزمخشري وابن عطية. والجمهور، ولعل الأولى ما ذكره شيخ الإسلام إلا أن تقييد العذاب بالمستأصل ودعوى أن حال أهل مكة كحال أهل تلك القرية حذو القذة بالقذة من غير تفاوت بينهما ولو في خصلة فذة لا يخلو عن شيء من حيث أن أهل مكة لم يستأصلوا فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك * (إن كنتم إياه تعبدون) * تطيعون أو إن صح زعمكم أنكم تقصدون بعبادة الآلهة عبادته سبحانه ومن قال؛ إن الخطاب للمؤمنين أبقى هذا على ظاهره أي إن كنتم تخصونه تعالى بالعبادة، والكلام خارج مخرج التهييج.
* (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) * .
* (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) * تعليل لحل ما أمرهم بأكله مما رزقهم، والحصل إضافي على ما قال غير واحد أي إنما حرم أكل هذه الأشياء دون ما تزعمون من البحائر والسوائب ونحوها فلا ينافي تحريم غير المذكورات كالسباع والحمر الأهلية، وقيل: الحصر على ظاهره والسباع ونحوها لم تحرم قبل وإنما حرمت بعد وليس الحصر إلا بالنظر إلى الماضي، وقال الإمام: إنه تعالى حصر المحرمات في الأربع في هذه السورة وفي سورة الأنعام بقوله سحبانه: * (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) * (الأنعام: 145) الخ وهما مكيتان وحصرها فيها أيضا في البقرة وكذا في المائدة فإنه تعالى قال فيها: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) * (المائدة: 1) فأباح الكل إلا ما يتلى عليهم، وأجمعوا على أن المراد بما يتلى هو قوله تعالى في تلك السورة: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) * وما ذكره تعالى من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع داخل في الميتة وما ذبح على النصب داخل فيما أهل به لغيره الله، فثبت أن هذه السور الأربع دالة على حصر المحرمات في هذه الأربع، وسورتا النحل والأنعام مكيتان وسورتا البقرة والمائدة مدنيتان، والمائدة من آخر ما نزل بالمدينة فمن أنكر حصر التحريم في الأربع إلا ما خصه الإجماع والدلائل القاطعة كان في محل أن يخشى عليه لأن هذه السور دلت على أن حصر المحرمات فيها كان مشروعا ثابتا في أول أمر مكة وآخرها وأول المدينة وآخرها، وفي إعادة البيان قطع للأعذار وإزالة للشبه اه فتفطن ولا تغفل * (فمن اضطر) * أي دعته ضرورة المخمصة إلى تناول شيء من ذلك * (غير باغ) * على مضطر آخر * (ولا عاد) * متعد قدر الضرورة وسد الرمق * (فإن الله غفور رحيم) * أي لا يؤاخذه سبحانه بذلك فأقيم سببه مقامه، ولتعظيم أمر المغفرة والرحمة جيء بالاسم الجليل، وقد سها شيخ الإسلام فظن أن الآية * (فإن ربك غفور رحيم) * فبين سر التعرض لوصف الربوبية والإضافة إلى ضمير صلى الله عليه وسلم وسبحان من لا يسهو.
واستدل بالآية على أن الكافر مكلف بالفروع، ثم إنه تعالى أكد ما يفهم من الحصر بالنهي عن التحريم والتحليل بالأهواء [بم فقال عز قائلا:
* (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هاذا حلال وهاذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) * .
* (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم) * الخ، ولا ينافي ذلك العطف كما لا يخفى، واللام صلة القول مثلها في قوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) * (البقرة: 154) وقولك: لا تقل للنبيذ إنه حلال، ومعناها الاختصاص، و * (ما) * موصولة والعائد محذوف أي لا تقولوا في شأن الذي تصفه ألسنتكم