تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٦١
عملا يوصله إلى كماله الذي يقتضيه استعداده * (وهو مؤمن) * معتقد للحق اعتقادا جازا * (فلنحيينه حياة طيبة) * أي حياة حقيقية لا موت بعدها بالتجرد عن المواد البدنية والانخراط في سلك الأنوار القدسية والتلذذ بكمالات الصفات ومشاهدات التجليات الافعالية والصفاتية * (ولنجزينهم أجرهم) * من جنات الصفات والأفعال * (بأحسن ما كانوا يعلمون) * (النحل: 97) إذ عملهم يناسب صفاتهم التي هي مبادى أفعالهم وأجرهم يناسب صفات الله تعالى التي هي مصادر أفعاله فانظركم بينهما من التفاوت في الحسن، ويقال: الحياة الطيبة ما تكون مع المحبوب ومن هنا قيل:
كل عيش ينقضي ما لم يكن * مع مليح ما لذاك العيش ملح * (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغور رحيم) * (النحل: 110) قال سهل هو اشارة إلى الذين رجعوا القهقري في طريق سلوكهم ثم عادوا أي إن ربك للذين هجروا قرناء السوء من بعد أن ظهر لهم منهم الفتنة في صحبتهم ثم جاهدوا أنفسهم على ملازمة أهل الخير ثم صبروا معهم على ذلك ولم يرجعوا إلى ما كانوا عليه في الفتنة لساتر عليهم ما صدر منهم منعهم منعهم عليهم بصنوف الانعام، وقيل: إن ربك للذين هاجروا أي تباعدوا عن موطن النفس بترك المألوفات والمشتهيات من بعد ما فتنوا بها بحكم النشأة البشرية ثم جاهدوا في الله تعالى بالرياضات وسلوك طريقه سبحانه بالترقي في المقامات والتجريد عن التعلقات وصبروا عما تحب النفس وعلى ما تكرهه بالثبات في السير إن ربك لغفور يستر غواشي الصفات النفسانية رحيم بإفاضة الكمال والصفات القدسية * (ضرب الله مثلا) * للنفس المستعدة القابلة لفيض القلب الثابتة في طريق اكتساب الفضائل الآمنة من خوف فواتها المطمئنة باعتقادها * (يأتيها رزقها رغدا) * من العلوم والفضائل والأنوار * (من كل مكان) * من جميع جهات الطرق البدنية كالحواس والجوارح والآلات ومن جهة القلب * (فكفرت بانعم الله) * ظهرت بصفاتها بطرا وإعجابا بزينتها ونظرا إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانية عن تلك الأنوار ومالت إلى الأمور السلفية وانقطع إمداد القلب عنها وانقلبت المعاني الواردة عليها من طرق الحس هيآت غاسقة من صور المحسوسات التي أنجذبت إليها * (فأذاقها الله لباس الجوع) * بانقطاع مدد المعاني والفضائل والأنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات * (بما كانوا يصنعون) * (النحل: 112) من كفران أنعم اا تعالى * (ولقد جاءهم رسول منهم) * أي من جنسهم وهي القوة الفكرية * (فكذبوه) * بما ألقى إليهم من المعاني المعقولة والآراء الصادقة * (فأخذهم العذاب) * أي عذاب الحرمان والاحتجاب * (وهم ظالمون) * (النحل: 113) في حالة ظلمهم وترفعهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم * (أن إبراهيم كان أمة) * لاجتماع ما تفرق في غيره من الصفات الكاملة فيه وكذا كل نبي ولذا جاء في الخبر على ما قيل لو وزنت بأمتي لرجحت بهم * (قانتا لله) * مطيعا له سبحانه على أكمل وجه * (حنيفا) * (النحل: 120) مائلا عن كل ما سواه تعالى * (وما كان من المشركين) * بنسبة شيء إلى غيره سبحانه * (شاكرا) * لا نعمه مستعملا لها على ما ينبغي * (اجتباه) * اختياره بلا واسطة عمل لكونه من الذين سبقت لهم الحسنى فتقدم كشوفهم على سلوكهم * (وهداه) * بعد الكشف * (إلى صراط مستقيم) * (النحل: 121) وهو مقام الإرشاد والدعوة ينعون به مقام الفرق بعد الجمع * (وآتيناه في الدنيا حسنة) * وهي الذكر الجميل والملك العظيم والنبوة * (وإنه في الآخرة) * قيل أي في عالم الأرواح * (لمن الصالحين) * (النحل: 122) المتمكنين في مقام الاستقامة وقيل أي يوم القيامة لمن الصالحين للجلوس على بساط القرب والمشاهدة بلا حجاب وهذا لدفع توهم أن ما أوتيه في الدنيا ينقص مقامه في العقبى كما قيل إن مقام الولي المشهور دون الولي الذي في زوايا الخمول، وإليه الإشارة بقولهم: الشهرة آفة، وقد نص
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 » »»