تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٩٢
العدم وإن النعم كلها من الله تعالى إما بالذات أوب الواسطة فليس كفرانهم إلا لنعمه سبحانه كما قيل لا يشكر الله من لا يشكر الناس بقي المخالفة. وأجيب بأنه إذا نظر للواقع فلا حصر فيه وإن لوحظ ما ذكر يكون الحصر ادعائيا وهو معنى الإيهام للمبالغة فلا تخالف، وجوز أن يكون التقديم للاهتمام لأن المقصود بالإنكار الذي سيق له الكلام تعلق كفرانهم بنعمة الله تعالى واعتقادهم للباطل لا مطلق الإيمان والكفران، وأن يكون لرعاية الفواصل وهو دون النكتتين، والالتفات إلى الغيبة للإيذان باستيجاب حالهم للإعراض عنهم وصرف الخطاب إلى غيرهم من السامعين تعجيبا لهم مما فعلوه. وفي " البحر " أن السلمي قرأ * (تؤمنون) * بالتاء على الخطاب وأنه روى ذلك عن عاصم، والجملة فيما بعده على هذا كما استظهره في " البحر " مجردا عن الكفرة غير مندرج في التقريع. هذا بقي أنه وقع في العنكبوت * (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) * (النحل: 72) بدون ضمير ووقع هنا ما سمعتب الضمير، وبين الخفاجي سر ذلك بأنه لما سبق في هذه السورة قوله تعالى: * (أفبنعمة الله يجحدون) * (النحل: 71) أي يكفرون كما مر فلو ذكر ما نحن فيه بدون الضمير لكانت الآية تكرارا بحسب الظاهر فأتى بالضمير الدال على المبالغة والتأكيد ليكون ترقيا في الذم بعيدا عن اللغوية، ثم قال: وقيل إنه أجرى على عادة العباد إذا أخبروا عن أحد بمنكر يجدون موجدة فيخبروا عن حاله الأخرى بكلام آكد من الأول، ولا يخفى أن هذا إنما ينفع إذا سئل لم قيل: * (أفبالباطل يؤمنون) * بدون ضمير وقيل: * (وبنعمة الله هم يكفرون) * به، وأما في الفرق بين ما هنا وما هناك فلا، وقيل: آيات العنكبوت استمرت على الغيبة فلم يحتج إلى زيادة ضمير الغائب وأما الآية التي نحن فيها فقد سبق قبلها مخاطبات كثيرة فلم يكن بد من ضمير الغائب المؤكد لئلا يلتبس بالخطاب، وتخصيص هذه بالزيادة دون * (أفبالباطل يؤمنون) * مع أنها الأولى بها بحسب الظاهر لتقدمها لئلا يلزم زيادة الفاصلة الأولى على الثانية، واعترض عليه بأنه لا يخفى أنه لا مقتضى للزوم الغيبة ولا لبس لو ترك الضمير.
وقد يقال: إنما لم يؤت في آية العنكبوت بالضمير وينبى الفعل عليه إفادة للتقوى استغناء بتكرر ما يفيد كفر القوم بالنعم مع قربه من تلك الآية عن ذلك، على أنه قد تقدم هناك ما تستمد منه الجملتان أتم استمداد وإن كان فيه نوع بعد ومغايرة ما وذلك قوله تعالى: * (والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) * (العنكبوت: 52) ولما لم تكن آية النحل فيما ذكر بهذه المرتبة جىء فيها بما يفيد التقوى، أو يقال: إنه لما كان سرد النعم هنا على وجه ظاهر في وصولها إليهم والامتنان بها عليهم كان ذلك أوفق بأن يؤتى بما فيه بما ذكر، ولعل التعبير هنا - بيكفرن - وفيما قبل * (يجحدون) * لأن ما قبل كان مسبوقا على ما قيل بضرب مثل لكمال قباحة ما فعلوه والجحود أوفق بذلك لما أن كمال القبح فيه أتم ولا كذلك فيما البحث فيه كذا قيل فافهم والله تعالى بأسرار كتابه أعلم.
* (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السم‍اوات والارض شيئا ولا يستطيعون) * .
* (ويعبدون من دون الله) * قال أبو حيان: هو استئناف اخبار عن حالهم في عبادة الأصنام وفيه تبيين لقوله تعالى: * (أفبالباطل يؤمنون) * (النحل: 72) وقال بعض أجلة المحققين: لعله عطف على * (يكفرون) * داخل تحت الإنكار التوبيخي أي أيكفرون بنعمة الله ويعبدون من دونه سبحانه * (ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا) * أي ما لا يقدر أن يرزقهم شيئا لا من السموات مطرا ولا من ا
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»