تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٩٨
صحته لا يضرنا في إرادة الموصوفين مطلقا بحيث يدخل فيهما من ذكر. فقد صرحوا بأن خصوص السبب لا ينافي العمون.
هذا وقد اقتصر شيخ الإسلام على كون الغرض من التمثيلين نفي المساواة بينه جل جلاله وبين ما يشركون، وهو دليل على أنه مختاره ثم قال: اعلم أن كلا الفعلين ليس المراد بهما حكاية الضرب الماضي بل المراد انشاؤه بما ذكر عقيبه، ولا يبعد أن يقال: إن الله تعالى ضرب مثلا بخلق الفريقين على ما هما عليه فكان خلقهما كذلك للاستدلال بعدم تساويهما على امتناع التساوي بينه سبحانه وتعالى وبين ما يشركون فيكون كل من الفعلين حكاية للضرب الماضي اه‍، ولا يخفى أنه لا كلام في حسن اختياره لكن في النفس من قوله لا يبعد شيء.
* (ولله غيب السم‍اوات والارض ومآ أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شىء قدير) * .
* (ولله) * تعالى خاصة لا لأحد غيره استقلال ولا اشتركا * (غيب السموات والأرض) * أي جميع الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين بحيث لا سبيل لهم إلى إدراكها حساولا إلى فهمها عقلا، ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما إما باعتبار الوقوع فيهما حالا أو مآلا واما باعتبار الغيبة عن أهلهما، ولا حاجة إلى تقدير هذا المضاف، والمراد بيان الاختصاص به تعالى من حيث المعلومية حسبما ينبىء عنه عنوان الغيبة لا من حيث المخلوقية والمملوكية وإن كان الأمر كذلك في نفس الأمر، وفيه - كما في إرشاد العقل السليم - اشعار بأن علمه تعالى حضوري وأن تحقق الغيوب في نفسها بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ولذلك لم يقل تعالى: ولله علم غيب السموات والأرض، وقيل: المراد بغيب السموات والأرض ما في قوله سبحانه: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) * الآية، وقيل: يوم القيامة، ولا يخفى أن القول بالعموم أولى.
* (وما أمر الساعة) * التي هي أعظم ما وقع فيه المماراة من الغيوب المتعلقة بالسموات والأرض من حيث الغيبة عن أهلهما أو ظهور آثارها فيهما عند وقوعها أي وما شأنها في سرعة المجيء، * (إلا كلمح البصر) * أي كرجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها. وفي البحر اللمح النظر بسرعة يقال: لمحه لمحا ولمحانا إذا نظره بسرعة * (أو هو) * أي أمرها * (أقرب) * أي من ذلك وأسرع بأن يقع في بعض أجزاء زمانه فإن رجع الطرف من أعلا الحدقة إلى أسفلها وإن قصر حركة أينية لها هوية اتصالية منطبقة على زمان له هو كذلك قابل للانقسام إلى أبعاض هي أزمنة أيضا بل بأن يقع فيما يقال به آن وهو جزء غير منقسم من أجزاء الزمان كآن ابتداء الحركة، و * (أو) * قال الفراء: بمعنى بل. ورده في البحر بأن بل للإضراب وهو لا يصح هنا بقسيمه، أما الإبطال فلأنه يؤل إلى أن الحكم السابق غير مطابق فيكون الأخبار به كذبا والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، وأما الانتقال فلأنه يلزمه التنافي بين الأخبار بكونه مثل لمح البصر وكونه أقرب فلا يمكن صدقهما معا ويلزم الكذب المحال أيضا. وأجيب باختيار الثاني ولا تنافي بين تشبيهه في السرعة بما هو غاية ما يتعارفه الناس في بابه وبين كونه في الواقع أقرب من ذلك، وهذا بناء على أن الغرض من التشبيه بيان سرعته لا بيان مقدار زمان وفوعه وتحديده. وأجيب أيضا بما يصححه بشقيه وهو أنه ورد على عادة الناس يعني أن أمرها إذا سئلتم عنها أن يقال فيه: هو كلمح البصر ثم يضرب عنه إلى ما هو أقرب. وقيل: هي للتخيير. ورده في البحر أيضا بأنه إنما يكون في المحظورات كخذ من مالي دينارا أو درهما أو في التكليفات كآية الكفارات. وأجيب بأن هذا مبني على مذهب ابن مالك من أن * (أو) * تأتي للتخيير وأنه غير مختص بالوقوع
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»