تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٩٧
* (أينما يوجهه لا يأت بخير) * أي حيثما برسله مولاه في أمر لا يأت بنجح وكفاية مهم، بيان لعدم قدرته على مصالح مولاه. وقرأ عبد الله في رواية * (توجهه) * على الخطاب، وقرأ علقمة. وابن وئاب. ومجاهد. وطلحة وهي رواية أخرى عن عبد الله * (يوجه) * بالبناء للفاعل والجزم، وخرج على أن الفاعل يعود على المولى والمفعول محذوف وهو ضمير الا بكم أي يوجهه، ويجوز أن يكون ضمير الفاعل عائدا على الا بكم ويكون الفعل لازم وجه بمعنى توجه، وعلى ذلك جاء قول الاضبط بن قريع السعدي. أينما أوجه ألق سعدا وعن علقمة. وطلحة. وابن وثاب أيضا * (يوجه) * بالجزم والبناء للمفعول، وفي رواية أخرى عن علقمة. وطلحة أنهما قرءا * (يوجه) * بكسر الجيم وضم الهاء ، قال صاحب اللوامح. فإن صح ذلك فالهاء التي هي لام الفعل محذوفة فرارا من التضعيف أو لم يرد - بأينما - الشرط، والمراد أينما هو يوجه وقد حذف منه ضمير المفعول به فيكون حذف الياء من آخر * (يأت) * للتخفيف، وتعقبه أبو حيان بأن أين لا تخرج عن الشرط أو الاستفهام. ونقل عن أبي حاتم أن هذه القراءة ضعيفة لأن الجزم لازم، ثم قال: والذي توجه به هذه القراءة أن * (أينما) * شرط حملت على إذا بجامع ما اشتركا فيه من الشرط ثم حذفت ياء * (يأت) * تخفيفا أو جزم على توهم أنه جيء بأينما جازمة كقراءة من قرأ - إنه من يتقي ويصبر - في أحد الوجهين، ويكون معنى يوجه يتوجه كما مر آنفا * (هل يستوي هو) * أي ذلك الأبكم الموصوف بتلك الصفات المذكورة * (ومن يأمر بالعدل) * ومن هو منطيق فهم ذو رأي ورشد يكفي الناس في مهماتهم وينفعهم بحثهم على العدل الجامع لمجامع الفضائل * (وهو) * في نفسه مع ما ذكر من نفعه الخاص والعام * (على صراط مستقيم) * لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي، فالجملة حالية مبينة لكماله في نفسه ولما كان ذلك مقدما على تكميل الغير أتى بها اسمية فإنها تشعر بذلك مع الثبوت إلى مقارنة ذي الحال، فلا يقال. الأنسب تقديمها في النظم الكريم، ومقابلة تلك الصفات الأربع بهذين الوصفين لأنهما كمال ما يقابلها ونهايته فاختير آخر صفات الكامل المستدعية لما ذكر وأزيد حيث جعل هاديا مهديا، وتغيير الأسلوب حيث لم يقل: والآخر يأمر بالعدل الآية لمراعاة الملاءمة بينه وبين ما هو المقصود من بيان التباين بين الفريقين، ويقال هنا كما قيل في المثل السابق: إنه حيث لم يستو الفريقان في الفضل والشرف مع استوائهما في الماهية والصورة فلأن يحكم بأن الصنم الذي لا ينطق ولا يسمع وهو عاجز لا يقدر على شيء كل على عابده يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويمسح عنه الأذى إذا وقع عليه ويخدمه وإن وجهه إلى أي مهم من مهماته لا ينفعه ولا يأت له به لا يساوي رب العالمين وهو - هو - في استحقاق المعبودية أحرى وأولى، وقيل: هذا تمثيل للمؤمن والكافر فالأبكم هو الكافر ومن يأمر بالعدل هو المؤمن، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وإياما كان فليس المراد - برجلين - رجلان متصفان بما ذكر من الصفات مطلقاف، وما روي من أن الأبكم أبو جهل والآمر بالعدل عمار أو الأبكم أبي ابن خلف والآمر عثمان بن مظعون فقال أبو حيان: لا يصح إسناده، وما أخرج ابن جرير. وابن عساكر. وغيرهما عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية * (وضرب الله مثلا رجلين) * (النحل: 76) الخ في عثمان بن عفان ومولى له كافر وهو أسيد بن أبي العيص كان يكره الإسلام وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤنة وكان الآخر ينهاه عن الصدقة والمعروف فنزلت فيهما فبعد تحقق
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»