تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٦٣
فإنه غامض. ولم يجوز العلامة الأول البدلية فقال: واما أنه ليس ببدل فظاهر لأنه لا يقوم مقام المبدل منه.
ونظر فيه العلامة الثاني بأنا لا تسلم أن البدل يجب صحة قيامه مقام المبدل منه فقد جعل الزمخشري " الجن " في قوله تعالى: * (وجعلوا لله شركاء الجن) * (الأنعام: 100) بدلا من " شركاء " ومعلوم أنه لا معنى لقولنا وجعلوا لله الجن، ثم قال: بل لا يبعد أن يقال: الأولى أنه بدل لأنه المقصود بالنسبة إذ النهي عن اتخاذ الاثنين من الإله على ما مر تقريره. وتعقب بأن الرضى قد ذكر أنه لما لم يكن البدل معنى في المتبوع حتى يحتاج إلى المتبوع كما احتاج الوصف ولم يفهم معناه من المبتوع كما فهم ذلك في التأكيد جاز اعتباره مستقلا لفظا أي صالحا لأن يقوم مقام المتبوع اه‍.
ولا يخفى أن صحة إقامته بهذا المعنى لا تقتضي أن يتم معنى الكلام بدونه حتى يرد ما أورد؛ وقيل: إن ذكر " اثنين " للدلالة على منافاة الاثنينية للالوهية وذكر الوحدة للتنبيه على أنها من لوازم الألوهية.
وجعل ذلك بعضهم من روادف الدلالة على كون ما ذكر مساق النهي والإثبات وهو الظاهر وإن قيل فيه ما قيل.
وزعم بعضهم ان * (تتخذوا) * متعد إلى مفعولين وأن * (إثنين) * مفعوله الأول " وإلهين " مفعوله الثاني والتقدير لا تتخذوا اثنين إلهين، وقيل: الأول مفعول أول والثاني ثان، وقيل: " إلهين " مفعوله الأول " واثنين " باق على الوصفية والتوكيد والمفعول الثاني محذوف أي معبودين، ولا يخفى ما في ذلك، وإثبات الوحدة له تعالى مع أن المسمى المعين لا يتعدد بمعنى أنه لا مشارك له في صفاته وألوهيته فليس الحمل لغوا، ولا حاجة لجعل الضمير للمعبود بحق المفهوم من الجلالة على طريق الاستخدام كما قيل، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في سورة الاخلاص. وفي التعبير بالضمير الموضوع للغائب التفات من التكلم إلى الغيبة على رأي السكاكي المكتفي بكون الأسلوب الملتفت عنه حق الكلام وإن لم يسبق الذكر على ذلك الوجه، واما قوله تاعلى: * (فإياي فارهبون) * ففيه التفات من الغيبة إلى التكلم على مذهب الجمهور أيضا، والنكتة فيه بعد النكتة العامة أعني الايقاظ وتطرية الاصغاء المبالغة في التخويف والترهيب فإن تخويف الحاضر مواجهة أبلغ من تخويف الغائب سيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة والقدرة التامة على الانتقام.
والفاء في * (فإياي) * واقعة في جواب شرط مقدر و * (إياي) * مفعول لفعل محذوف يقدر مؤخرا يدل عليه * (فارهبون) * أي إن رهبتم شيئا فإياي ارهبوا، وقول ابن عطية: أن * (إياي) * منصوب بفعل مضمر تقديره فارهبوا إياي فارهبون ذهول عن القاعدة النحوية، وهي انه إذا كان المعمول ضميرا منفصلا والفعل متعد إلى واحد هو الضمير وجب تأخر الفعل نحو * (إياك نعبد) * ولا يجوز أن يتقدم إلا في ضرورة نحو قوله: إليك حتى بلغت إياكا وعطف المفسر المذكور على المفسر المحذوف بالفاء لأن المراد رهبة بعد رهبة، وقيل: لأن المفسر حقه إن يذكر بعد المفسر، ولا يخفى فصل الضمير وتقديمه من الحصر أي ارهبوني لا غير فانا ذلك الإله الواحد القادر على الانتقام * (وله ما فى السم‍اوات والارض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون) * .
* (وله ما في السموات والأرض) * عطف على قوله سبحانه: * (إنما هو إله واحد) * أو على الخبر أو مستأنف جيء به تقريرا لعلة انقياد ما فيهما له سبحانه خاصة وتحقيقا لتخصيص الرهبة به تعالى، وتقديم الظرف لتقوية ما في اللام من معنى التخصيص، وكذا يقال فيما بعد أي له تعالى وحده ما في السموات والأرض خلقا وملكا * (وله) * وحده * (الدين) * أي الطاهة والانقياد كما هو أحد معانيه. ونقل عن ابن عطية وغيره * (واصبا) * أي واجبا لازما لا زوال له لما تقرر أنه سبحانه الإله
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»