تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٦٤
وحده الحقيق بأن يرهب، وتفسير * (واصبا) * بما ذكر مروى عن ابن عباس. والحسن. وعكرمة. ومجاهد. والضحاك. وجماعة، وأنشدوا لأبي الأسود الدؤولي. لا أبتغى الحمد القليل بقاؤه * يوما بذم الدهر أجمع واصبا وقال ابن الأنباري: هو من الوصب بمعنى التعب أو شدته، وفاعل للنسب كما في قوله: وأضحى فؤادي به فاتنا أي ذا وصب وكلفة، ومن هنا سمى الدين تكليفا، وقال الربيع بن أنس: * (واصبا) * خالصا، ونقل ذلك أيضا عن الفراء، وقيل: الدين الملك والواصب الدائم، ويبعد ذلك قول أمية بن الصلت: وله الدين واصبا وله الم‍ * - لك وحمد له على كل حال وقيل: الدين الجزاء والواصب كما في سابقه أي له تعالى الجزاء دائما لا ينقطع ثوابه للمطيع وعقابه للعاصي، وأيا ما كان فنصب * (واصبا) * على أنه حال من ضمير * (الدين) * المستكن في الظرف والظرف عامل فيه أو حال من * (الدين) * والظرف هو العامل على رأي من يرى جواز اختلاف العامل في الحال والعامل في صاحبها. واستدل بالآية على أن أفعال العباد مخلوقة تعالى: * (أفغير الله تتقون) * الهمزة للانكار والفاء للتعقب أي أبعد ما تقرر من تخصيص جميع الموجودات للسجود به تعالى وكون ذلك كله له سبحانه ونهيه عن اتخاذ الإلهين وكون الدين له واصبا المستدعى ذلك لتخصيص التقوى به تاعلى تتقون غيره، والمنكر تقوى غير الله تعالى لا مطلق التقوى ولذا قدم الغير، وأولي الهمزة لا للاختصاص حتى يرد أن انكار تخصيص التقوى بغيره سبحانه لا ينافي جوازها، وقيل: يصح أن يعتبر الاختصاص بالانكار فيكون التقديم لاختصاص الإنكار لا لإنكار الاختصاص. وفي البحر أن هذا الاستفهام يتضمن التوبيخ والتعجب أي بعد ما عرفتم من وحدانيته سبحانه وأن ما سواه له ومحتاج إليه كيف تتقون وتخافون غيره.
* (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تج‍ارون) * .
* (وما بكم من نعمة فمن الله) * أي أي شيء يلابسكم ويصاحبكم من نعمة أي نعمة كانت فهي منه تاعلى - فما - موصولة مبتدأ متضمنة معنى الشرط و * (من الله) * خبرها والفاء زائدة في الخبر لذلك التضمن و * (من نعمة) * بيان للموصول و * (بكم) * صلته، وأجاز الفراء وتبعه الحوفي أن تكون * (ما) * شرطية وفعل الشرط محذوف أي وما يكن بكم من نعمة الخ. واعترضه أبو حيان بأنه لا يحذف فعل الشرط إلا بعد إن خاصة في موضعين باب الاشتغال نحو * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * وأن تكون إن الشرطية متلوة بلا النافية وقد دل على الشرط ما قبله كقوله: فطلقها فلست لها بكفء * وإلا يعل مفرقك الحسام وحذفه في غير ما ذكر ضرورة كقوله: قالت بنات العم يا سلمى وإن * كان فقيرا معدما قالت وإن وقوله: أينما الريح تمليها تمل وأجيب بأن الفراء لا يسلم هذا فما أجازه مبني على مذبه. واستشكل أمر الشرطية على الوجهين من حيث أن الشرط لا بد أن يكون سببا للجزاء كما تقول: إن تسلم تدخل الجنة فإن الإسلام سبب لدخول الجنة وهنا على العكس، فإن الأول وهو استقرار النعمة بالمخاطبين لا يستقيم أن يكون سببا للثاني وهو كونها من الله من جهة كونه فرعا عنه. وأجاب في إيضاح المفصل بأن الآية جيء بها لاخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها أوشكوا فيه أو فعلوا ما يؤدي إلى أن يكونوا شاكين فاستقرارها
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»