سيدها وطابت أرواحهم بطيب مشاهدة ربها وطابت أسرارهم بطيب الأنوار، وقيل: أبدانهم وأرواحهم بملازمة الخدمة وترك الشهوات. وقيل: طيبة أرواحهم بالموت لكونه باب الوصال وسبب الحياة الأبدية * (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء) * (النحل: 35) قالواه الزاما بزعمهم للموحدين وما دروا أنه حجة عليهم لأنه تعالى لا يشاء إلا ما يعلم ولا يعلم إلا ما عليه الشيء في نفسه فلولا أنهم في نفس الأمر مشركون ما شاء الله تعالى ذلك: * (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) * (النحل: 43) هم أهل القرآن المتخلقون بأخلاقه القائمون بأمره ونهيه الواقفون على ما أوردع فيه من الأسرار والغيوب وقليل ما هم فالمراد بالذكر القرآن كما في قوله تعالى: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) * (النحل: 44). وفيه إشارة إلى أن الله تعالى لم يظهر مكنونات أسرار كتابه إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم فهو عليه الصلاة والسلام الأمين المؤتمن على الأسرار. وقد أشار سبحانه له عليه الصلاه والسلام بتبيين ذلك وقد فعل ولكن على حسب القابليات - لا تمنعوا الحكمة عن أهلها فتظلموهم ولا تمنحوها غير أهلها فتظلموها - ولا تودع الأسرار إلا عند الأحرار. وذلك لأنها أمانة وإذا أودعت عند غيرهم لم يؤمن عليها من الخيانة. وخيانتها افشاؤها وافشاؤها خطر عظيم. ولذا قيل: من شاوروه فأبدى السر مشتهرا * لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وجانبوه فلم يسعد بقربهم * وأبدلوه مكان الأنس إيحاشا لا يصطفون مذيعا بعض سرهم * حاشا ودادهم من ذاكم حاشا * (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء) * أي ذات وحقيقة مخلوقة أية ذات كانت * (يتفيؤ ظلاله) * قيل: أي يتمثل صوره ومظاهره * (عن اليمين) * جهة الخير * (والشمائل) * (النحل: 48) جهات الشرور، ولما كانت جهة اليمين إشارة إلى جهة الخير الذي لا ينسب إلا إليه تعالى وحد اليمين ولما كانت جهة الشمال اشارة إلى جهة الشر الذي لا ينبغي أن ينسب إليه تعالى كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم: " والشر ليس إليك " ولكن ينسب إلى غيره سبحانه وكان في الغير تعدد ظاهر جمع الشمال. وقيل في وجه الأفراد والجمع: إن جميع الموجودات تشترك في نوع من الخير لا تكاد تفىء عنه وهو العشق فقد برهن ابن سينا على سريان قوة العشق في كل واحد من الهويات ولا تكاد تشترك في شر كذلك فما تفىء عنه من الشر لا يكون إلا متعددا فلذا جمع الشمال ولا كذلك ما تفىء عنه من الخير فلذا أفرد اليمين فليتأمل " ولله يسجد " ينقاد " ما في السموات وما في الأرض من دابة " أي موجود يدب ويتحرك من العدم إلى الوجود دوالملائكة وهم لا يستكبرون) * (النحل: 49) لا يمتنعون عن الانقياد والتذلل لأمره " يخافون ربهم من فوقهم " لأنه القاهر المؤثر فيهم " ويفعلون ما يؤمرون " طوعا وانقيادا، والله تعالى الهادي سواء السبيل.
ثم أنه تعالى بعد ما بين أن جميع الموجودات، خاضعة منقادة له تعالى أردف ذلك بحكاية نهيه سبحانه وتعالى للمكلفين عن الاشراك [بم فقال عز قائلا:
* (وقال الله لا تتخذوا إلاهين اثنين إنما هو إلاه واحد فإياي فارهبون) * .
* (وقال الله) * عطفا على قوله سبحانه: * (ولله يسجد) *. وجوز أن يكون معطوفا على * (وانزلنا إليك الذكر) * (النحل: 44) وقيل: إنه معطوف على * (ما خلق الله) * (النحل: 48) على أسلوب. علفتها تبنا وماء باردا أي أو لم يروا إلى ما خلق الله ولم يسمعوا إلى ما قال الله ولا يخفى تكلفه، وإظهار الفاعل وتخصيص لفظة الجلالة بالذكر للإيذان بأنه تعالى متعين الألوهية وإنما المنهى عنه هو الإشراك به لا أن المنهى عنه هو مطلق اتخاذ الهين بحيث يتحقق الانتهاء عنه برفض أيهما كان، ولم يذكر المقول لهم للعموم أي