مطلقا والتفصيل في المتعدي بالحرف بين ما قصد الإيقاع عليه وغيره فيمتنع في الأول دون الثاني لعدم ألف إيقاع المرء بنفسه. وأبو حيان اعترض القاعدة بقوله تعالى: * (وهزى إليك بجذع النخلة. واضمم إليك جناحك) * والعلامة البيضاوي أجاب بوجه آخر وهو أن الامتناع إنما هو إذا تعدى الفعل أولا لا ثانيا وتبعا فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، ومنهم من خص ذلك بالمتعدي بنفسه وجوز في المتعدي بالحرف كما هنا وارتضاه الشاطبي في شرح الألفية، وقال الخفاجي: هو قوي عندي لكن لا يخفى أن العطف هنا بعد هذا القيل والقال يؤدي إلى جعل الجعل بمعنى يعم الزعم والاختيار.
* (وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) *.
* (وإذا بشر أحدهم بالأنثى) * أي أخبر بولادتها، واصل البشارة الأخبار بما يسر لكن لما كانت ولادة الأنثى تسوءهم حملت على مطلق الأخبار، وجوز أن يكون ذلك بشارة باعتبار الولادة بقطع النظر عن كونها أنثى وقيل: إنه بشارة حقيقة بالنظر إلى حال المبشر به في نفس الأمر، وأياما كان فالكلام على تقدير مضاف كما أشرنا إليه * (ظل وجهه) * أي صار * (مسودا) * من الكآبة والحياء من الناس، وأصل معنى ظل أقام نهارا على الصفة التي تسند إلى الاسم، ولما كان التبشير قد يكون في الليل وقد يكون في النهار فسر بما ذكر وقد تلحظ الحالة الغالبة بناء على أن أكثر الولادات يكون بالليل ويتأخر اخبار المولود له إلى النهار خصوصا بالأنثى فيكون ظلوله على ذلك الوصف طول النهار واسوداد الوجه كناية عن العبوس والغم والفكر والنفرة التي لحقته بولادة الأنثى، قيل: إذا قوى الفرح انبسط روح القلب من داخله ووصل إلى الأطراف لا سيما إلى الوجه لما بين القلب والدماغ من التعلق الشديد فيرى الوجه مشرقا متلألئا، وإذا قوى الغم انحصر الروح إلى باطن القلب ولم يبق له أثر قوي في ظاهر الوجه فيربد ويتغير ويصفر ويسود ويظهر فيه أثر الأرضية، فمن لوازم الفرح استنارة الوجه وإشراقه ومن لوازم الغم والحزن اربداده واسوداده فلذلك كنى عن الفرح بالاستنارة وعن الغم بالاسوداد، ولو قيل بالمجاز لم يبعد بل قال بعضهم: * (إنه الظاهر) * والظاهر أن * (وجهه) * اسم ظل * (ومسودا) * خبره، وجوز كون الاسم ضمير الأحد ووجهه بدلا منه ولو رفع * (مسودا) * على أن * (وجهه) * مبتدأ وهو خبر له والجملة خبر * (ظل) * صح لكنه لم يقرأ بذلك هنا * (وهو كظيم) * أي مملوء غيظا وأصل الكظم مخرج النفس يقال: أخذ بكظمه إذا أخذ بمخرج نفسه، ومنه كظم الغيظ لا خفائه وحبسه عن الوصول إلى مخرجه.
وفعل اما بمعنى مفعول كما أشير إليه أو صيغة مبالغة، والظاهر أن ذلك الغيظ على المرأة حيث ولدت أنثى ولم تلد ذكرا، ويؤيده ما روي الأصمعي أن امرأة ولدت بنتا سمتها الذلقاء فهجرها زوجها فانشدت: ما لأبي الذلقاء لا يأتينا * يظل في البيت الذي يلينا يحرد أن لا نلد البنينا * وإنما نأخذ ما يعطينا والفقير قد رأيت من طلق زوجته لأن ولدت أنثى، والجملة في موضع الحال من الضمير في * (ظل) * وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من وجه، وجوز غيره أيضا حاليته من ضمير * (مسودا) *.
* (يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ألا سآء ما يحكمون) * .
* (يتوارى من القوم) * يستخفي من قومه * (من سوء ما بشر به) * عرفا وهو الأنثى، والتعبير عنها - بما - لإسقاطها بزعمهم عن درجة العقلاء، والجملة مستأنفة أو حال على الأوجه السابقة في وهو كظيم إلا كونه من وجهه، والجاران متعلقان - بيتوارى - و * (من) * الأولى ابتدائية، والثانية تعليلية أي يتوارى من أجل ذلك، ويروى أن بعض الجاهلية يتوارى في حال الطلق فإن