* (تالله) * بعد إنكارهم الرسالة وتعداد قبائحهم الإشعار بأن ما ذكر كالتسلية للرسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه قيل: إن الأمم الخالية مع الرسل السالفة لم تزل على هذه الوتيرة فلك أسوة بالرسل عليهم السلام وقومك خلف لتلك الأمم فلا تهتم لذلك فإن ربك ينتقم لك منهم في الدنيا والآخرة فاشتغل أنت بتبليغ ما أنزل إليك وتقرير أنواع الدلائل المنصوبة على الوحدانية وبالتنبيه على إقامة الشكر على نعم الله تعالى المتظاهرة اه.
وقال في " الكشف ": لا ترجيح لهذا الوجه من حيث التسلي إذ الكل مفيد لذلك على وجه بين وإنما الترجيح للوجه الصائر إلى استحضار الحال لما فيه من مزيد التشفي اه، والحق أن ما ذكره الزمخشري غير ظاهر وما قيل: إن لفظ * (اليوم) * داع إليه ففي حيز المنع، وقصارى ما يقال: وجود القرينة المصححة لا المرجحة هذا. وذكر في " الكشف " في بيان ربط الآيات أن قوله سبحانه: * (ويجعلون لما لا يعلمون) * إلى هذا الموضع فن آخر من كفرانهم وتداد قبائحهم، وجاز أن يكون من تتمة سابقه على منوال * (وما بكم من نعمة فمن الله) * إلا أنه بنى على الغيبة دلالة على أنه فن آخر، وهذا قريب المتناول، وجاز أن يجعل عطفا على قوله تعالى: * (وأقسموا بالله) * فإن ما وقع من الكلام بعده من تتمته اعتراضا واستطرادا كأنه قيل: ذاك معتقدهم في المعاد وهذا في المبدأ وهم فيما بين ذلك متدينون بهذا الدين القويم ومع اختلاف العقيدة في المبدأ والمعاد يدعون أن لهم الحسنى فيحق لهم ضد ذلك حقا ثم قال: وقوله تعالى:
* (ومآ أنزلنا عليك الكتابإلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * .
* (وما أنزلنا عليك الكتابإلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) * شديد الملائمة على هذا الوجه لقوله سبحانه هنالك: * (ليبين لهم الذي يختلفون فيه) * (النحل: 39)، ولقوله تعالى: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * (النحل: 44) وفيه أن من استبان له الهدى بهذا البيان استغنى عن ذلك البيان حيث لا ينفعه إلا العلم بكذبه وهذا أنسب لتأليف النظم اه.
وأنت تعلم أن احتمال العطف بعيد، والمراد بالكتاب القرآن فإنه الحقيق بهذا الاسم، والاستثناء مفرغ من أعم العلل أي ما أنزلناه عليك لعلة من العلل إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من البعث وقد كان فيهم من يؤمن به وأشياء من التحليل والتحريم والإقرار والإنكار ومقتضى رجوع الضمائر السابقة إلى الأمم السالفة أن يرجع ضمير * (إليهم) * و * (اختلفوا) * إليهم أيضا لكن منع عنه عدم تأتي تبيين الذين اختلفوا فيه لهم فمنهم من جعله راجعا إلى قريش لأن البحث فيهم ومنهم من جعله راجعا إلى الناس مطلقا لعدم اختصاص ذلك بقريش ويدخلون فيه دخولا أوليا.
* (وهدى ورحمة) * عظيمين * (لقوم يؤمنون) * خصهم بالذكر لكونهم المغتنمين آثاره. والإسمان - قال أبو حيان: - في موضع نصب على أنهما مفعول من أجله والناصب * (أنزلنا) * ولما اتحد الفاعل في العلة والمعلول وصل الفعل لهما بنفسه، ولما لم يتحد في * (لتبين) * لأن فاعل الإنزال هو الله تعالى لا الرسول عليه الصلاة والسلام وصلت العلة بالحرف.
وقال الزمخشري: هما معطوفان على محل * (لتبين) * وهو ليس بصحيح لأن محله ليس نصبا فيعطف منصوب عليه، ألا ترى أنه لو نصب لم يجز لاختلاف الفاعل اه. وتعقب بأن معنى كونه في محل نصب أنه في محل لو خلا من الموانع ظهر نصبه وهو هنا كذلك لمن تأمل فقوله: ليس بصحيح لأن محله ليس نصبا ليس على ما ينبغي.
وقال الحلبي: إن ذلك ممنوع إذ لا خلاف في أن محل الجار والمجرور النصب ولذا أجازوا مررت بزيد وعمرا بالعطف على المحل، وللخفاجي ههنا كلام إن أردته فارجع إليه وراجع، ولعله إنما قدمت علة التبيين على علتي الهدى والرحمة