تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٦٦
على تراخي رتبة ما يترتب عليه من مفاجآت الاشراك فإن ترتبها على ذلك في أبعد غاية من الضلال.
وفي الكشف متعقبا صاحب الكشاف بأنه لم يذكر وجه الكلام في قوله تعالى: * (ثم إذا مسكم... ثم إذا كشف) * وهو على وجهين والله تعالى أعلم. أحدهما أن يكون قوله سبحانه * (وما بكم من نعمة فمن الله) * (النحل: 53) من تتمة السابق على معنى إنكار إتقاء غير الله تعالى وقد علموا أن كل ما يتقلبون فيه من نعمته فهو سبحانه القادر على سلبها، ثم أنكر عليهم تخصيصهم بالجؤار عند الضر في مقابلة تخصيص غيره بالاتقاء ثم اشراكهم به تعالى كفرانا لتلك النعمة وجيء بثم لتفاوت الانكارين فإن اتقاء غير المنعم أقرب من الاعراض عنه وهو متقلب في نعمه ثم اللجأ إلى هذا المكفور به وحده عند الحاجة، وأبعد منه الأعراض ولم يجف قدمه من ندى النجاة.
والثاني أن يكون جملة مستقلة واردة للتقريع و * (ثم) * في الأول لتراخي الزمان اشعارا بأنهم غمطوا تلك النعم ولم يزالوا عليه إلى وقت الإلجاء، وفيه الأشعار بتراخي الرتبة أيضا على سبيل الإشارة وفي الثاني لتراخي الرتبة وحده، اه‍ وهو كلام نفيس، وللطيبي كلام طويل في هذا المقام ان أردته فارجع إليه.
وقرأ الزهري * (ثم إذا كاشف) * وفاعل هنا بمعنى فعل، وفي الآية ما يدل على أن صنيع أكثر العوام اليوم من الجؤار إلى غيره تعالى ممن لا يملك لهم بل ولا لنفسه نفعا ولا ضرا عند إصابة الضر لهم واعراضهم عن دعائه تعالى عند ذلك بالكلية سفه عظيم وضلال جديد لكنه أشد من الضلال القديم، ومما تقشعر منه الجلود وتصعر له الخدود الكفرة أصحاب الأخدود فضلا عن المؤمنين باليوم الموعود ان بعض المتشيخين قال لي وأنا صغير: إياك ثم إياك أن تستغيث بالله تعالى إذا خطب دهاك فإن الله تعالى لا يعجل في اغاثتك ولا يهمه سوء حالتك وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين فأنهم يعجلون في تفريج كربك ويهمهم سوء ما حل بك فمج ذلك سمعي وهمي دمعي وسألت الله تعالى أن يعصمني والمسلمين من أمثال هذا الضلال المبين، ولكثير من المتشيخين اليوم كلمات مثل ذلك.
* (ليكفروا بمآ ءاتين‍اهم فتمتعوا فسوف تعلمون) * .
* (ليكفروا بما ءاتيناهم) * من نعمة الكشف عنهم، فالكفر بمعنى كفران النعمة واللام لام العاقبة والصيرورة، وهي استعارة تبعية فإنه لما لم ينتج كفرهم واشراكهم غير كفران ما أنعم الله تعالى به عليهم جعل كأنه علة غائية له مقصودة منه، وجوز أن يكون الكفر بمعنى الجحود أي انكار كون تلك النعمة من الله تعالى واللام هي اللام، والمعنيان متقاربان * (فتمتعوا) * أمر تهديد كما هو أحد معاني الأمر المجازية عند الجمهور كما يقول السيد لعبده افعل ما تريد، والالتفات إلى الخطاب للإيذان بتناهي السخط.
وقرأ أبو العالية * (فيمتعوا) * بضم الياء التحتية ساكن الميم مفتوح التاء مضارع متع مخففا مبنيا للمفعول وروى ذلك مكحول الشامي عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معطوف * (يكفروا) * على أن يكون الأمران عرضا لهم من الاشراك، ويجوز أن يكون لام * (ليكفروا) * لام الأمر والمقصود منه التهديد بتخليتهم وما هم فيه لخذلانهم، فالفاء واقعة في جواب الأمر وما بعدها منصوب باسقاط النون، ويجوز جزمه بالعطفأيضا كما ينصب بالعطف إذا كانت اللام جارة * (فسوف تعلمون) * عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب، وفيه وعيد شديد حيث لم يذكر المفعول اشعارا بأنه لا يوصف. وقرأ أبو العالية أيضا * (يعلمون) * بالياء التحتية وروي ذلك مكحول عن أبي رافع أيضا.
* (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقن‍اهم ت الله لتس‍الن عما كنتم تفترون) * . * (ويجعلون) * قيل معطوف على * (يشركون) * وليس بشيء، وقيل: لعله عطف على
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»