وحاصل ما أشرنا إليه أن ذلك من عموم المجاز، والأمر على احتمال أن يراد من ذاك الجمادات ظاهر، وزعم بعضهم أن السجود حقيقة مطلقا وهو الوقوع على الأرض على قصد العبادة ويستدعي ذلك الحياة والعلم لتقصد العبادة، وليس بشيء كما لا يخفى، ثم إن قلنا على هذا الوجه: إن الواو حالية كما أشير إليه فالحالات مترادفتان، وتعدد الحال جائز عند الجمهور، ومن لم يجوز جعل الثانية بدل اشتمال أو بدل كل من كل كما فصله السمين، وإن قلنا: إنها عاطفة فلا تكون الحال مترادفة بل متعاطفة، وقال أبو البقاء: * (سجدا) * حال من الظلال * (وهم داخرون) * حال من الضمير في * (سجدا) * ويجوز أن يكون حالا ثانية معطوفة اه، وفيه القول بالتداخل وهو محتمل على تقدير كون * (سجدا) * حالا من ضمير * (ظلاله) * والوجه الأول هو المختار عند الزمخشري، ورجحه في " الكشف " فقال: إن انقياد الظل وذي الظل مطلوب، ألا ترى إلى قوله تعالى: * (وظلالهم بالغدو والآصال) * (الرعد: 15) فجاعلهما حالا من الضمير في * (ظلاله) * مقصر، وفيه تكميل حسن لما وصف الظلال بالسجود وصف أصحابها بالدخور الذي هو أبلغ لأنه انقياد قهري مع صفة المنقاد، ولم يجعل حالا من الراجع إلى الموصول في * (خلق الله) * إذ المعنى على تصوير سجود الظل وذيه وتقارنهما في الوجود لا على مقارنة الخلق والدخور، والعامل في الحال الثاني * (يتفيؤ) * على ما قال ابن مالك في قوله تعالى: * (بل ملة إبراهيم حنيفا) * (البقرة: 135) اه، ومنه يعلم ما في إعراب أبي البقاء. نعم أن في هذا الوجه بعدا لفظيا والأمر فيه هين، وأما جعل * (وهم داخرون حالا من ضمير) * * (يروا) * فمما لا يصح بحال كما لا يخفى.
هذا وذكر الإمام في اليمين والشمال قولين غير ما تقدم. الأول: أن المراد بهما المشرق والمغرب تشبيها لهما بيمين الإنسان وشماله فإن الحركة اليومية آخذة من المشرق وهوى أقوى الجانبين فهو اليمين والجانب الآخر الشمال فالظلال في أول النهار تبتدىء من الشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض وعند الزوال تبتدىء من الغرب واقعة على الربع الشرقي منها. والثاني: يمين البلد وشماله، وذلك أن البلدة التي يكون عرضها أقل من مقدار الميل الكلي وهو " كجل يز أو كحله " على اختلاف الارصاد فإن في الصيف تحصل الشمس على يمين تلك البلدة وحينئذ تقع الإظلال على يسارها وفي الشتاء بالعكس، ولا يخفى ما في الثاني فإنه مختص بقطر مخصوص والكلام ظاهر في العموم، وقيل: المراد باليمين والشمال يمين مستقبل الجنوب وشماله، و * (عن) * كما قال الحوفي متعلقة * (بيتفيؤ) * وقال أبو البقاء: متعلقة بمحذوف وقع حالا، وقيل: هي اسم بمعنى جانب فتكون في موضع نصب على الظرفية، ولهم في توحيد * (اليمين) * وجمع * (الشمائل) * - وهو جمع غير قياسي - كلام طويل. فقيل: إن العرب إذا ذكرت صيغتي جمع عبرت عن إحداهما بلفظ المفرد كقوله تعالى: * (جعل الظلمات والنور) * (الأنعام: 1) و * (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) * (البقرة: 7) وقيل: إذا فسرنا اليمين بالمشرق كان النقطة التي هي مشرق الشمس واحدة بعينها فكانت اليمين واحدة، وأما الشمائل فهي عبارة عن الانحرافات الواقعة في تلك الاظلال بعد وقوعها على الأرض وهي كثيرة فلذلك عبر عنها بصيغة الجمع، وقيل: اليمين مفرد لفظا لكنه جمع معنى فيطابق الشمائل من حيث المعنى، وقال الفراء: إنه يحتمل أن يكون مفردا وجمعا فإن كان مفردا ذهب إلى واحد من ذوات الظلال وإن جان جمعا ذهب إلى كلها لأن ما خلق الله لفظه واحد ومعناه الجمع، وقال الكرماني: يحتمل أن يراد بالشمائل الشمال والقدام والخلف لأن الظل يفيء من الجهات كلها فبدأ باليمين لأن ابتداء التفيء منها أو تيمنا بذكرها، ثم جمع الباقي على لفظ الشمال لما بين الشمال واليمين من التضاد، ونزل الخلف والقدام