تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٥٤
والمشهور أن الفيء لا يكون إلا بعد الزوال، ومن هنا قال الأزهري: إن تفيء الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار، وقال أبو حيان: إن الاعتبار من أول النهار إلى آخره، وإضافة الظلال إلى ضمير المفرد لأن مرجعه وإن كان مفردا في اللفظ لكنه كثير في المعنى، ونظير ذلك أكثر من أن يحصى، والمعنى أو لم يروا الأشياء التي ترجع وتتنقل ظلالها * (عن اليمين والشمائل) * والمراد بها الأشياء الكثيفة من الجبال والأشجار وغيرها سواء كان جماد أو إنسانا على ما عليه بعض المفسرين، وخصها بعضهم بالجمادات التي لا يظهر لظلالها أثر سوي التفيء بواسطة الشمس على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى دون ما يشمل الحيوان الذي يتحرك ظله بتحركه، وكلا القولين على تقدير كون * (من) * بيانية كما سمعت؛ وذهب بعض المحققين إلى العموم لكنه جعل من ابتدائية متعلقة - بخلق - والمراد بما خلقه من شيء عالم الأجسام المقابل لعالم الروح والأمر الذي لم يخلق من شيء بل وجد بأمر * (كن) * كما قال سبحانه: * (ألاله الخلق والأمر) * (الأعراف: 54)، ولا يخفى بعده ، واعترض أيضا بأن السموات والجن من عالم الأجسام والخلق ولا ظل لها ومقتضى عموم * (ما) * أنه لا يخلو شيء منها عنه بخلاف ما إذا جعلت من بيانية و * (يتفيؤ) * صفة شيء مخصصة له. ورد بأن جملة * (يتفيؤ) * حينئذ ليست صفة - لشيء - إذ المراد إثبات ذلك لما خلق من شيء لإله وليس صفة - لما - لتخالفهما تعريفا وتنكيرا بل هي مستأنفة لإثبات أن له ظلالا متفيئة وعموم * (ما) * لا يوجب أن يكون المعنى لكل منه هذه الصفة.
وتعقب بأنه إن أريد أنه لا يقتضي العموم ظاهرا فممنوع وإن أريد أنه يحتمل فلا يرد ردا لأنه مبني على الظاهر المتبادر، والمراد باليمين والشمائل على ما قيل جانبا الشيء استعارة من يمين الإنسان وشماله أو مجازا من إطلاق المقيد على المطلق أي ألم يروا الأشياء التي لها ظلال متفيئة عن جانبي كل واحد منها ترجع من جانب إلى جانب بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف مشارقها ومغاربها فإن لها مشارق ومغارب بحسب مداراتها اليومية حال كون تلك الظلال * (سجدا لله) * أي منقادة له تعالى جارية على ما أراد من الامتداد والتقلص وغيرهما غير ممتنعة عليه سبحانه فيما سخرها له وهو المراد بسجودها، وقد يفسر باللصوق في الأرض أي حال كونها لاصقة بالأرض على هيئة الساجد، وقوله تعالى: * (وهم داخرون) * حال من ضمير * (ظلاله) * الراجع إلى شيء، والجمع باعتبار المعنى وصح مجيء الحال من المضاف إليه لأنه كالجزء، وإيراد الصيغة الخاصة بالعقلاء لما أن الدخور من خصائصهم فإنه التصاغر والذل، قال ذو الرمة: فلم يبق إلا داخر في مخيص * ومنحجر في غير أرضك في حجر فالكلام على الاستعارة أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب، ووجه التعبير بهم يعلم مما ذكر، ويجوز أن يعتبر وجهه أولا ويجعل ما بعده جاريا على المشاكلة له أي والحال أن أصحاب تلك الظلال ذليلة منقادة لحكمه تعالى، ووصفها بالدخور مغن عن وصف ظلالها به، وجوز كون * (سجدا) * والجملة حالين من الضمير أي ترجع ظلال تلك الأجرام حال كون تلك الأجرام منقادة له تعالى داخرة فوصفها بهما مغن عن وصف ظلالها بهما.
والمراد بالسجود أيضا الانقياد سواء كان بالطبع أو بالقسر أو بالإرادة، فلا يرد على احتمال أن يكون المراد * (بما خلق) * شاملا للعقلاء وغيرهم كيف يكون * (سجدا) * حالا من ضميره وسجود العقلاء غير سجود غيرهم.
(١٥٤)
مفاتيح البحث: السجود (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»