تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٣٠
وسبب من الأسباب إلا لعلة مشيئته تعالى، وأيا ما كان فهو متصل لأن أخذ السارق إذا كان ممن يرى ذلك ويعتقده دينا لا سيما عند رضاه وإفتائه به ليس مخالفا لدين الملك فلذلك لم ينازعه الملك وأصحابه في مخالفة دينهم بل لم يعدوه مخالفة.
وقيل: إن جملة ما كان الخ في موضع البيان والتفسير للكيد وأن معنى الاستثناء إلا أن يشاء الله تعالى أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك وفيه بحث، وجوز أن يكون الاستثناء منقطعا أي لكن أخذه بمشيئة الله سبحانه وإذنه في دين غير دين الملك * (نرفع درجات) * أي رتبا كثيرا عالية من العلم، وانتصابها على ما نقل عن أبي البقاء على الظرفية أو على نزع الخافض أي إلى درجات، وجوز غير واحد النصب على المصدرية، وأيا ما كان فالمفعول به قوله تعالى: * (من نشاء) * أي نشاء رفعه حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة كما رفعنا يوسف عليه السلام، وإيثار صيغة الاستقبال للإشعار بأن ذلك سنة مستمرة غير مختصة بهذه المادة والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب * (وفوق كل ذي علم) * من أولئك المرفوعين * (عليم) * لا ينالون شأوه.
قال المولى المحقق شيخ الإسلام قدس سره في بيان ربط الآية بما قبل: إنه إن جعل الكيد عبارة عن إرشاد الإخوة إلى الإفتاء وحملهم عليه أو عبارة عن ذلك مع مباديه المؤديه إليه فالمراد برفع يوسف عليه السلام ما اعتبر فيه بالشرطية أو الشطرية من إرشاده عليه السلام إلى ما يتم من قبله من المبادىء المفضية إلى استبقاء أخيه، والمعنى أرشدنا إخوته إلى الإفتاء لأنه لم يكن متمكنا من غرضه بدونه أو أرشدنا كلا منهم ومن يوسف وأصحابه إلى ما صدر عنهم ولم نكتف بما تم من قبل يوسف لأنه لم يكن متمكنا من غرضه بمجرد ذلك. وحينئذ يكون قوله تعالى: * (نرفع) * إلى * (عليم) * توضيحا لذلك على معنى أن الرفع المذكور لا يوجب تمام مرامه إذ ليس ذلك بحيث لا يغيب عن علمه شيء بل إنما نرفع كل من نرفع حسب استعداد وفوق كل واحد منهم عليم لا يقادر قدره يرفع كلا منهم إلى ما يليق به من معارج العلم وقد رفع يوسف إلى ذلك وعلم أن ما حواه دائرة علمه لا يفي بمرامه فأرشد إخوته إلى الإفتاء المذكور فكان ما كان وكأنه عليه السلام لم يكن على يقين من صدوره ذلك منهم وإن كان على طمع منه فإن ذلك إلى الله تعالى شأنه وجودا وعدما، والتعرض لوصف العلم لتعيين جهة الفوقية، وفي صيغة المبالغة مع التنكير والالتفات إلى الغيبة من الدلالة على فخامة شأنه عز شأنه وجلالة مقدار علمه المحيط جل جلاله ما لا يخفى. وإن جعل عبارة عن التعليم المستتبع للإفتاء فالرفع عبارة عن ذلك التعليم، والإفتاء وإن كان لم يكن داخلا تحت قدرته عليه السلام لكنه كان داخلا تحت علمه بواسطة الوحي والتعليم، والمعنى مثل ذلك التعليم البالغ إلى هذا الحد علمناه ولم نقتصر على تعليم ما عدا الإفتاء الذي سيصدر عن إخوته إذ لم يكن متمكنا من غرضه في أخيه إلا بذلك، وحينئذ يكون قوله تعالى: * (نرفع درجات من نشاء) * توضيحا لقوله سبحانه: * (كدنا) * وبيانا لأن ذلك من باب الرفع إلى الدرجات العالية من العلم ومدحا ليوسف عليه السلام برفعه إليها * (وفوق) * الخ تذييلا له أي نرفع درجات عالية من نشاء رفعه وفوق كل منهم عليم هو أعلى درجة، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى، والمعنى أن إخوة يوسف كانوا علماء إلا أن يوسف أفضل منهم اه‍ والذي اختاره الزمخشري على ما قيل حديث التذييل إلا أنه أوجز في كلامه حتى خفي مغزاه وعد ذلك من المداحض حيث قال: وفوق كل ذي علم عليم فوقه أرفع درجة منه في علمه أو فوق العلماء كلهم عليم
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»