تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٩٢
ويوم شهدناه سليما وعامرا * قليل سوى طعن النهار نوافله أو (غير مكذوب) على المجاز كأن الواعد قال له: أفي بك فإن وفى به صدقه وإلا كذبه فهناك استعارة مكنية تخييلية، وقيل: مجاز مرسل بجعل * (مكذوب) * بمعنى باطل ومتخلف، أو وعد غير كذب على أن مكذوب مصدر على وزن مفعول كمجلود ومعقول بمعنى عقل وجلد فإنه سمع منهم ذلك لكنه نادر، ولا يخفى ما في تسمية ذلك وعدا من المبالغة في التهكم.
* (فلما جآء أمرنا نجينا ص‍الحا والذين ءامنوا معه برحمة منا ومن خزى يومئذ إن ربك هو القوى العزيز) * * (فلما جآء أمرنا) * أي عذابنا أو أمرنا بنزوله، وفيه ما لا يخفى من التهويل * (نجينا ص‍الحا والذين ءامنوا معه) * متعلق بنجينا أو بآمنوا * (برحمة منا) * أي بسببها أو ملتبسين بها، وفي التنوين والوصف نوعان من التعظيم * (ومن خزى يومئذ) * أي نجيناهم من خزي يومئذ وهو الهلاك بالصيحة وهذا كقوله تعالى: * (ونجيناهم من عذاب غليظ) * (هود: 58) على معنى إنا نجيناهم، وكانت تلك التنجية من خزي يومئذ، وجوز أن يراد ونجيناهم من ذل وفضيحة يوم القيامة أي من عذابه، فهذه الآية كآية هود سواء بسواء.
وتعقب أبو حيان هذا بأنه ليس بجيد إذ لم تتقدم جملة ذكر فيها يوم القيامة ليكون التنوين عوضا عن ذلك، والمذكور إنما هو جاء أمرنا فليقدر يوم إذ جاء أمرنا وهو جيد، والدفع بأن القرينة قد تكون غير لفظية كما هنا فيه نظر، وقيل: القرينة قوله سبحانه فيما مر: * (عذاب يوم غليظ) * وفيه ما فيه، وقيل: الواو زائدة فيتعلق * (من) * - بنجينا - المذكور، وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الواو لا تزاد عندهم فيوجبون هنا التعلق بمحذوف وهو معطوف على ما تقدم، وقرأ طلحة. وأبان * (ومن خزى) * بالتنوين ونصب * (يومئذ) * على الظرفية معمولا لخزى، وعن نافع. والكسائي أنهما قرآ بالإضافة وفتح - يوم - لأنه مضاف إلى إذ وهو غير متمكن، وهذا كما فتح حين في قوله النابغة: على (حين) عاتبت المشيب على الصبا * فقلت: ألما أصح والشيب وازع * (إن ربك) * خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم * (هو القوي العزيز) * أي القادر على كل شيء والغالب عليه في كل وقت ويندرج في ذلك الإنجاء والإهلاك في ذلك اليوم.
* (وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى ديارهم ج‍اثمين) * * (وأخذ الذين ظلموا) * قوم صالح، وعدل عن الضمير إلى الظاهر تسجيلا عليهم بالظلم وإشعارا بعليته لنزول العذاب بهم * (الصيحة) * أي صيحة جبريل أو صيحة من السماء فيها كل صاعقة وصوت مفزع، وهي على ما في " البحر " فعلة للمرة الواحدة من الصياح، يقال: صاح يصيح إذا صوت بقوة، وأصل ذلك - كما قال الراغب - تشقيق الصوت من قولهم: إنصاح الخشب. أو الثوب إذا انشق فسمع منه صوت، وصيح الثوب كذلك، وقد يعبر بالصيحة عن الفزع، وفي الأعراف * (فأخذتهم الرجفة) * قيل: ولعلها وقعت عقيب الصيحة المستتبعة لتموج الهواء، وقد تقدم الكلام منا في ذلك * (فأصبحوا في دي‍ارهم) * أي منازلهم ومساكنهم، وقيل: بلادهم * (جاثمين) * هامدين موتى لا يتحركون، وقد مر تمام الكلام في ذلك معنى وإعرابا.
* (كأن لم يغنوا فيهآ ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود) * * (كأن لم يغنوا) * أي كأنهم لم يقيموا * (فيها) * أي في ديارهم، والجملة قيل: في موضع الحال أي أصبحوا * (جاثمين) * مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط * (ألا إن ثمودا) * وضع موضع المضمر لزيادة البيان، ومنعه من الصرف حفص. وحمزة نظرا إلى القبيلة، وصرفه أكثر السبعة نظرا إلى الحي كما قدمنا آنفا، وقيل: نظرا إلى الأب الأكبر يعني يكون المراد به الأب الأول وهو مصروف
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»