تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٨٩
سبحانه داع إلى الاستغفار والتوبة، وقوله: * (إن ربي قريب) * أي قريب الرحمة لقوله سبحانه: * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) * (الأعراف: 56) والقرآن يفسر بعضه بعضا * (مجيب) * لمن دعاه وسأله زيادة في بيان ما يوجب ذلك، والأول علة باعثة، وهذا علة غائية وما ألطف التقديم والتأخير، وصرح بعضهم أن * (قريب) * ناظر - لتوبوا - و * (مجيب) * - لاستغفروا - كأنه، قيل: ارجعوا إلى الله تعالى فإنه سبحانه * (قريب) * منكم أقرب من حبل الوريد واسألوه المغفرة فإنه جلا وعلا * (مجيب) * السائلين ولا يخلو عن حسن.
* (قالوا ياص‍الح قد كنت فينا مرجوا قبل ه‍اذا أتنهانآ أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا وإننا لفى شك مما تدعونآ إليه مريب) * * (قالوا يا صالح قد كنت فينا) * أي فيما بيننا * (مرجوا) * فاضلا خيرا نقدمك على جميعنا على ما روي عن ابن عباس.
وقال ابن عطية مشورا نأمل منك أن تكون سيدا سادا مسد الأكابر، وقال كعب: كانوا يرجونه للملك بعد ملكهم لأنه كان ذا حسب وثروة.
وقال مقاتل: كانوا يرجون رجوعه إلى دينهم إذ كان يبغض أصنامهم ويعدل عن دينهم * (قبل ه‍اذا) * أي الذي باشرته من الدعوة إلى التوحيد وترك عبادة الآلهة فلما سمعنا منك ما سمعناه انقطع عنك رجاؤنا، وقيل: كانوا يرجون دخوله في دينهم بعد دعواه إلى الحق ثم انقطع رجاؤهم - فقبل هذا - قبل هذا الوقت لا قبل الذي بشاره من الدعوة، وحكى النقاش عن بعضهم أن * (مرجوا) * بمعنى حقيرا وكأنه فسره أولا بمؤخرا غير معتنى به ولا مهتم بشأنه، ثم أراد منه ذلك وإلا - فمرجوا - بمعنى حقير لم يأت في كلام العرب، وجاء قولهم: * (أتنه‍انا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا) * على جهة التوعد والاستبشاع لتلك المقالة منه والتعبير - بيعبد - لحكاية الحال الماضية، وقرأ طلحة * (مرجؤا) * بالمد والهمز * (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه) * من التوحيد وترك عبادة الآلهة وغير ذلك من الاستفغر والتوبة * (مريب) * اسم فاعل من أرابه المتعدي بنفسه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة باليقين، أو من أراب الرجل اللازم إذا كان ذا ريبة، والإسناد على الوجهين مجازي إلا أن بينهما - كما قال بعض المحققين - فرقا، وهو أن الأول منقول من الأعيان إلى المعنى. والثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك كما تقول: شعر شاعر، فعلى الأولى هو من باب الإسناد إلى السبب لأن وجود الشك سبب لتشكيك المشكك ولولاه لما قدر على التشكيك، والتنوين في * (مريب) * وفي * (شك) * للتفخيم، * (وإننا) * بثلاث نوات، ويقال: إنا بنونين وهما لغتان لقريش.
قال الفراء: من قال: إننا أخرج الحرف على أصله لأن كناية المتكلمين - نا - فاجتمعتث لاث نونات، ومن قال: إنا استثل اجتماعها فأسقط الثالثة وأبقى الأوليين.
واختار أبو حيان أن المحذوف النون الثانية لا الثالثة لأن في حذفها إجحافا بالكلمة إذ لا يبقى منها إلا حرف واحد ساكن دون حذف الثانية لظهور بقاء حرفين بعده على أنه قد عهد حذف النون الثانية من إن مع غير ضمير المتكلمين ولم يعهد حذف نون - نا - ولا ريب في أن ارتكاب المعهود أولى من ارتكاب غير المعهود.
* (قال ياقوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربى وءاتانى منه رحمة فمن ينصرنى من الله إن عصيته فما تزيدوننى غير تخسير) * * (قال ياقوم أرءايتم) * أخبروني * (إن كنت على بينة) * حجة ظاهرة وبرهان وبصيرة * (من ربي) * مالكي ومتولي أموري * (وءاتاني منه) * من قبله سبحانه * (رحمة) * نبوة، وهذا من الكلام المنصف، والاستدراج
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»