تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٨٧
* (عنيد) * أي طاغ من - عند - بتثليث النون - عندا - بالإسكان - وعندا - بالتحريك - وعنودا - بضم العين إذا طغا وجاوز الحد في العصيان، وفسره الراغب بالمعجب بما عنده، والجوهري بمن خالف الحق ورده وهو يعرفه، وكذا عاند، ويطلق الأخير على البعير الذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد، وجمعه - عند - كراكع. وركع، وجمع العنيد - عند - كرغيف. ورغف، والعنود قيل: بمعنى العنيد.
وزعم بعضهم أنه يقال: بعير عنود، ولا يقال: عنيد، ويجمع الأول على عندة. والثاني على عند، وآخر أن العنود العادل عن الطريق المحسوس. والعنيد العادل عن الطريق في الحكم؛ وكلاهما من - عند - وأصل معناه على ما قيل: اعتزل في جانب لأن - العند - بالتحريك الجانب يقال: يمشي وسطا لا عندا، ومنه - عند - الظرفية، ويقال للناحية أيضا: العند مثلثة، وهذا الحكم ليس كالحكمين السابقين من جحود الآيات وعصيان الرسل في الشمول لكل فرد فرد منهم فإن اتباع الأمر من أحكام الأسافل دون الرؤساء.
وقيل: هو مثل ذلك في الشمول، والمراد - بالأمر - الشأن - وبكل جبار عنيد - من هذه صفته من الناس لا أناس مخصوصون من عاد متصفون بذلك، والمراد باتباع الأمر ملازمته أو الرضا به على أتم وجه، ويؤول ذلك إلى الاتصاف أي إن كلا منهم اتصف بصفة كل جبار عنيد، ولا يخفى ما فيه من التكلف الظاهر، وقد يدعي العموم من غير حاجة إلى ارتكاب مثله، والمراد على ما تقدم أنهم عصوا من دعاهم إلى سبيل الهدى وأطاعوا من حداهم إلى مهاوي الردى.
* (وأتبعوا فى ه‍اذه الدنيا لعنة ويوم القي‍امة ألاإن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) * * (وأتبعوا في ه‍اذه الدنيا لعنة) * أي إبعادا عن الرحمة وعن كل خير أي جعلت اللعنة لازمة لهم، وعبر عن ذلك بالتبعية للمبالغة فكأنها لا تفارقهم وإن ذهبوا كل مذهب بل تدور معهم حسبما داروا، أو لوقوعه في صحبة اتباعهم، وقيل: الكلام على التمثيل بجعل اللعنة كشخص تبع آخر ليدفعه في هوة قدامه، وضمير الجمع لعاد مطلقا كما هو الظاهر.
وجوز أن يكون للمتبعين للجبارين منهم، وما حال قوم قدامهم الجبارون أهل النار وخلفهم اللعنة والبوار، ويعلم من لعنة هؤلاء لعنة غيرهم المتبوعين على ما قيل بالطريق الأولى * (ويوم القي‍امة) * أي واتبعوا يوم القيامة أيضا لعنة وهي عذاب النار المخلد حذف ذلك لدلالة الأول عليه وللإيذان بأن كلا من اللعنين نوع برأسه لم يجتمعا في قرن واحد بأن يقال: وأتبعوا في هذه الدنيا ويوم القيامة لعنة، ونظير هذا قوله تعالى: * (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة) * (الأعراف: 156) وعبر - بيوم القيامة - بدل الآخرة هنا للتهويل الذي يقتضيه المقام.
* (إلا إن عادا كفروا ربهم) * أي بربهم. أو كفروا نعمته ولم يشكروها بالإيمان. أو جحدوه * (ألا بعدا لعاد) * دعاء عليهم بالهلاك مع أنهم هالكون أي هلاك تسجيلا عليهم باستحقاق ذلك والاستئهال له، ويقال في الدعاء بالبقاء واستحقاقه: لا يبعد فلان، وهو في كلام العرب كثير، ومنه قوله: لا يبعدن قومي الذين هم * سم العداة وآفة الجزر وجوز أن يكون دعاء باللعن كما في " القاموس ": البعد. والبعاد اللعن، واللام للبيان كما في قولهم: سقيا لك، وقيل: للاستحقاق وليس بذاك، وتكرير حرف التنبيه وإعادة عاد للمبالغة في تفظيع حالهم والحث على الاعتبار بقصتهم، وقوله سبحانه: * (قوم هود) * عطف بيان على * (عاد) * وفائدته الإشارة إلى أن عادا كانوا فريقين: عادا الأولى. وعادا الثانية، وهي عاد إرم في قول، وذكر الزمخشري في الفجر أن عقب عاد بن عوض
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»