وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عنه، وقيل: كان سبب خوفه أنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت.
وقال العلامة الطيبي: الحق أن الخوف إنما صدر عن مجموع كونهم منكرين وكونهم ممتنعين من الطعام كما يعلم من الآيات الواردة في هذه القصة ولأنه لو عرفهم بأنهم ملائكة لم يحضر بين أيديهم الطعام ولم يحرضهم على الأول وإنما عدلوا إلى قولهم: * (إنا أرسلنا إلى قوط لوط) * ليكون جامعا للمعاني بحيث يفهم منه المقصود أيضا انتهى.
وفيه إشارة إلى الرد على الزمخشري، وقد اختلف كلامه في تعليل الخوف فعلله تارة بعرفانه أنهم ملائكة وأخرى بأنهم لم يتحرموا طعامه، ولعله أراد بذلك العرفان العرفان بعد إحضار الطعام، وما ذكره الطيبي من أنه لو عرفتهم بأنهم ملائكة لم يحضر الخ غير قادح إذ يجوز أن يخافهم بعد الإحضار أولا لعدم التحرم ثم بعد تفرس أنهم ملائكة خافهم لأنهم ملائكة أرسلوا للعذاب، والزمخشري حكى أحد الخوفين في موضع والآخر في آخر.
قال بعض المحققين والتعليل بأنهم ملائكة هو الوجه لينتظم قوله سبحانه: * (لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) * (الحجر: 53) مع ما قبله إذ لو كان الوجل لكونهم على غير زي من عرف ونحوه لم يحسن التعليل بقوله تعالى: * (إنا نبشرك) * فإنه إنما هو تعليل للنهي عن الوجل من أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب كأنهم قالوا: * (لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) * و * (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * فجاء على اختصارات القرآن بذكر أحد التعليلين في أحد الموضعين والآخر في الآخر، ولا شك أن في الحجر اختصارا لطي حديث الرواع، والتعجيل بالعجل الحنيذ وعدم تحرمهم بطعامه لما أن المقصود من سوق القصة هنالك الترغيب والترهيب للاعتبار بحال إبراهيم عليه السلام وما لقي من البشرى والكرامة، وحال قوم لوط عليه السلام وما منوا به من السوأى والملامة، ألا ترى إلى قوله سبحانه: * (نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم) * إلى قوله جل وعلا: * (عن ضيف إبراهيم) * (الحجر: 51) فاقتصر على ما يفيد ذلك الغرض، وأما في هذه السورة فجىء بها للإرشاد الذي بنى عليه السورة الكريمة مع إدماج التسلية ورد ما رموه به عليه الصلاة والسلام من الافتراء، وفي كل من أجزاء القصة ما يسد من هذه الأغراض فسرد على وجهها، وفي سورة الذاريات للأخيرين فقط فجىء بما يفيد ذلك فلا عليك إن رأيت اختصارا أن تنقل إليه من المبسوط ما يتم به الكلام بعد أن تعرف نكتة الاختصار، وهذا من خواص كتاب الله تعالى الكريم انتهى ولا يخلو عن حسن، وفيه ذهاب إلى كون جملة * (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * استئنافا في موضع التعليل كما هو الظاهر.
وقال شيخ الإسلام عليه الرحمة: الظاهر ما ذكر إلا أنه ليس كذلك فإن قوله تعالى: * (قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * (الحجر: 57، 58) صريح في أنهم قالوه جوابا عن سؤاله عليه السلام، وقد أوجز الكلام اكتفاءا بذلك انتهى.
وتعقب بأنه قد يقال: إن ذلك لا يقدح في الحمل على الظاهر لجواز أن يكونوا قالوا ذلك على معنى التعليل للنهي عن الخوف، ولكنه وإن أريد منه الإرسال بالعذاب لقوم لوط عليه السلام مجمل لم يؤت به على وجه يظهر منه ما نوع هذا العذاب هل هو استئصال أم لا؟ فسأل عليه السلام لتحقيق ذلك فكأنه قال: أيها المرسلون إلى قوم لوط ما هذا الأمر العظيم الذي أرسلتم به؟ فأجابوه بما يتضمن بيان ذلك مع الإشارة إلى علة نزول ذلك الأمر بهم وهو قولهم: * (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين) * (الحجر: 58، 59) الآية فإن انفهام عذاب الاستئصال لقوم لوط عليه السلام من ذلك ظاهر، وكذا الإشارة إلى العلة.